عام 2008، تمكّن سيباستيان فيتيل من أن يصبح أصغر سائق في التاريخ يفوز بجوائز أحد السباقات في الفورمولا 1 وكان ذلك على متن «سكوديريا تورو روسو» في جائزة إيطاليا الكبرى عن عمر 21 عاماً و74 يوماً. حينها، تعرّف الكثيرون الى هذا السائق الألماني، لكن البعض اعتبر إنجازه «فلتة شوط»، إذ كان الاهتمام منصباً على السائقين المعتبرين في خانة الـ«سوبر ستار» كالإسباني فرناندو ألونسو والبريطاني لويس هاميلتون، لكن شخصاً واحداً كان له رأي مختلف. «ما حققه فيتيل اليوم لا يقوده فقط الى الفوز بالسباقات، بل الى تحقيق بطولة العالم»، هذا ما قاله بالحرف الواحد رئيس تورو روسو يومها غيرهارد بيرغر. لكن قائل هذه الكلمات نفسه لم يكن ليتوقّع أن يترجم قوله الى أفعال بالسرعة التي حصلت. نحن الآن في المراحل الأخيرة لموسم 2010. كل الترشيحات كانت تصب في مصلحة ألونسو سائق فيراري والأوسترالي مارك ويبر زميل فيتيل للفوز باللقب. لكن الشاب الألماني كان له رأي آخر، فوزان حاسمان في جائزتي البرازيل وأبو ظبي وضعا «سيب» على منصة التتويج. أصبح فيتيل أصغر سائق في التاريخ يحقق لقب البطولة. بات العالم كله الآن يعرف فيتيل.
انطلق موسم 2011. كان التصميم واضحاً لدى السائقين الكبار على استعادة الكبرياء الذي تلاشى بفعل ضربة فيتيل غير المتوقعة في 2010. كان الهدف واحداً وواضحاً: تحجيم الشاب الصغير الذي بدأ يلعب لعبة الكبار. استُخدمت كل أنواع الحروب على فيتيل لإضعافه، ولعل أقساها الحرب النفسية باعتبار أن الفضل في انتصاراته يعود الى سرعة سيارته. النتيجة: قبل 4 مراحل على انتهاء الموسم، أصبح فيتيل بطلاً للعالم للعام الثاني على التوالي. إنجاز نوعي ثان لـ«سيب» في ظرف عامين.
ثمة الكثير ما يقال عن مهارات فيتيل القيادية وموهبة هذا الشاب الذي كبر سريعاً بإنجازاته، ليس أقلّها أنه أعاد تذكيرنا بمواطنه «الأسطورة» ميكايل شوماخر من خلال الاندفاع الكبير الذي يتمتع به، لكن التوقف عند شخصية هذا السائق يوازي بالقيمة ما يحققه من إنجازات، إذ نادراً ما نصادف رياضياً بهذه الميزات. ولعل أولى النقاط هي التواضع الذي يتمتع به فيتيل، إذ بالرغم من حجم الإنجاز الذي حققه في الموسم الماضي ونتائجه الكاسحة هذا الموسم، فإن شخصية «سيب» لم تتغير قيد أنملة، ظل الطفل في نظر عشاقه، الذي يزين كلماته بدقة، حتى عندما كان يبتعد بنقطة عن اللقب قال إن الأخير لا يزال في غير متناوله، وعند تطرُّق الإعلام الى الأرقام القياسية التي بإمكانه تحقيقها قال «سيب»: «يبقى (البرازيلي الراحل ارتون) سينا هو الأكثر أثراً، وعند مقارنته بشوماخر قال فيتيل: «لا يزال ميكايل قدوة لي». تواضع قل نظيره، ينمّ عن عظمة هذا السائق. حتى في أصغر التفاصيل يبدو متواضعاً، إذ على سبيل المثال أنه لا يحبذ مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت كـ«فايسبوك» و«تويتر» ولا يمتلك رصيداً فيها، بل يفضّل محادثة عشاقه شخصياً، فيما يتبارى غيره من الرياضيين على حصد أكبر عدد من المعجبين في هذه المواقع.
بموازاة التواضع في شخصيته، يبرز خُلق فيتيل على الحلبة وخارجها. إذ يعدّ «سيب» من السائقين القلائل الذين لا يفتعلون الحوادث والمشكلات على الحلبات مع غيره من السائقين، وهذا ما كان يُعيب شوماخر على سبيل المثال. كما أنه خارج الحلبات لا يجيد الحروب الكلامية والمناكفات مع غيره، علماً بأن متسابقي الفورمولا 1 مشهورون أكثر من غيرهم في هذا الجانب. وحتى عندما يطفح به الكيل من تصريحات غيره تجاهه، فإنه يترك للمحيطين به الرد، حتى أنه لا يستثني والده نوربرت من ذلك عندما رد الأخير قبل فترة على الآراء التي تبخس من إنجازات فيتيل لمصلحة سيارته، فأجاب الأب «يجب أن تكون أولاً قادراً على قيادة سيارة مميزة، وهذا ما يفعله سيباستيان».
أضف الى ذلك، فإن فيتيل يتميّز بشخصيته المثابرة، إذ إنه دؤوب على التعلّم من أخطائه وهذا ما حدث في الموسم الحالي حين نجح في تفادي المشكلات التي وقع بها في مستهل الموسم الماضي.
كل هذه الصفات، جعلت من فيتيل محبوباً الى درجة قصوى ويحظى بالاحترام، حتى من خصومه الذين غيّروا آراءهم فيه كما كان واضحاً في الأيام الأخيرة.
بعد فوز فيتيل بسباقه الأوّل عام 2008، أطلقت عليه الصحافة في بلاده لقب «شومي الصغير»، وبعد فوزه باللقب العام الماضي أُطلق عليه لقب «شوماخر الثاني»، أما بعد فوزه بلقبه الثاني أمس فيصح فيه لقب «الظاهرة». ظاهرة دون أدنى شك تمضي قُدماً نحو «الأسطورة».