قد ينظر كثيرون إلى التصريح المفاجئ والخطير الذي أدلى به قبل أيام مدافع مانشستر يونايتد والمنتخب الإنكليزي السابق غاري نيفيل، الذي رأى أن بلاده لن تحقق أي لقب في السنوات العشر المقبلة، وأنه نادم لتمثيله منتخب «الأسود الثلاثة»، وذلك من منظار تعبير عن نقمة من اللاعب على مدرب المنتخب، الإيطالي فابيو كابيللو، لعدم استدعائه إلى تشكيلته التي شاركت في مونديال 2010. وإذ قد يرى البعض أن الكلام صادر عن لاعب انتهت مسيرته في الملاعب فلم يعد لرأيه أي معنى مؤثر، إلا أن من يفصل كلمات نيفيل عن الواقع يجد أنها تستحق التوقف عندها، وخصوصاً أنها تبدو أقرب إلى الحقيقة الملموسة. في الأعوام القريبة الماضية، اعتدنا أن يدخل المنتخب الإنكليزي مرشحاً للظفر بلقب كأس أوروبا أو كأس العالم، وهذا ما كان عليه الوضع في نسختي 1996 و2004 في البطولة الأولى، وفي نسخة 2002 و2006 و2010 في البطولة الثانية. إلا أن الإنكليز كانوا يخرجون بنتيجة عكس ذلك عند إسدال الستار على هذه البطولات، حتى إن الضجة التي يثيرها جمهورهم المشاغب «الهوليغنز» خلال أي بطولة، باتت تعلق في ذاكرة المتابعين أكثر مما يقدّمه منتخب إنكلترا نفسه!
وإذا ما أردنا عرض الأسباب الكامنة وراء الفشل الإنكليزي، نجد أنها كثيرة، وهي تطال الكرة الإنكليزية ومنتخبها الوطني على حدٍّ سواء.
ولعل النقطة الأساسية في هذا المجال تكمن في أسلوب اللعب الذي ينتهجه المنتخب الإنكليزي الذي لم يتبدل حتى مع قدوم كابيللو، وهذا ما رأيناه في المونديال الأخير، وفي تصفيات كأس أوروبا 2012 الحالية؛ إذ إن الإنكليز ما زالوا يعتمدون على الأسلوب الكلاسيكي في اللعب من خلال الاندفاع البدني والتمريرات الهوائية العالية، على عكس ما هو سائد حالياً من خطط تتمحور حول السرعة في الأداء والتمريرات البينية القصيرة وتبادل المراكز. وهذا ما انتهجته منذ فترة قصيرة ألمانيا التي اشتهرت تاريخياً أكثر من إنكلترا، لا بل يمكن اعتبارها مدرسة في اعتماد التمريرات الطويلة والقوة البدنية، وإن كان الحفاظ على هذه الأخيرة يبدو ضرورياً، شرط ألّا يُعتمد عليها اعتماداً رئيسياً.
ثانياً، ترسخت في الأعوام الأخيرة فكرة أن الدوري الإنكليزي الممتاز، ومن خلال تطوره ومتعته، بات يمثّل عبئاً على المنتخب الوطني، والسبب واضح في هذا المجال، وهو الاعتماد على نجوم من خارج إنكلترا، وهذا ما يبدو جليّاً من خلال تشكيلات الأندية، بحيث إننا في بعض الأحيان نشاهد فرقاً إنكليزية لا تحوي على أرض الملعب لاعباً إنكليزياً واحداً، وهذا ما يحدث مع تشلسي مثلاً عند إصابة فرانك لامبارد وجون تيري.
ثالثاً، لا يبدو مبالغة القول إن إنكلترا تعاني حالياً من مشكلة نجوم على مستوى عالمي، من شأن ذكر أسمائهم أن يدخل الرعب في نفوس الخصوم ويشغل بال المدربين، وذلك بعد تقدّم ستيفن جيرارد وفرانك لامبارد وريو فرديناند في السن. ويمكن الاستدلال على هذا الأمر من خلال سوق الانتقالات؛ إذ إننا لم نسمع أن نادياً أوروبياً دفع مبلغاً كبيراً لشراء لاعب إنكليزي، بعكس ما كان يحصل مع لامبارد وجيرارد وجون تيري وأشلي كول، من دون أن تترجم تلك الأنباء إلى واقع. وقد يقال هنا إن لاعبي إنكلترا لا يغادرون بطولتهم الأقوى عالمياً، إلا أن هذا السبب يبدو غير صحيح، حيث إن مايكل أوين وديفيد بيكام ارتديا قميص ريال مدريد الإسباني، رغم أنه ينبغي القول إن الأمور لا تبدو ضبابية بالمطلق مع ظهور بعض المواهب كأشلي يونغ وداني ويلبيك وأندي كارول وطوم كليفرلي، إلا أن طريقها إلى النجومية لا تزال طويلة. أضف أن هذه الأسماء لن تأخذ فرصتها كاملة في الوقت الحالي، بعكس ما هو متّبع في منتخب ألمانيا أو إيطاليا مثلاً، وخصوصاً أن صاحب أهم موهبة حالياً في إنكلترا، ثيو والكوت، لم تتح له الفرصة لإظهار مقدراته للعالم في حدث كبير كمونديال 2010. والسبب يكمن في استمرار اعتماد كابيللو على رعيل من اللاعبين الذين أثبتوا أنهم لن يحملوا إنكلترا إلى الألقاب.
رابعاً، لا شك في أن هذه الإخفاقات المتتالية للكرة الإنكليزية على صعيد المنتخب طوال الأعوام الماضية أسهمت على نحو رئيسي في خلق أزمة ثقة لدى اللاعب الإنكليزي وهاجساً من أنه لن يصل إلى تحقيق النصر في البطولات، وهذه مشكلة حقيقية تتطلب معالجة، وهي توازي في أهميتها المشاكل المذكورة سابقاً، وذلك حتى تسترجع إنكلترا مجداً غابراً يعود إلى كأس العالم في عام 1966 تاريخ تتويجها الأول والأخير بلقب كبير.