كان يوم الأربعاء الماضي منتظراً على الصعيد الأولمبي، فعند الساعة الخامسة عصراً حضر أعضاء اللجنة التنفيذية الأولمبية الى الحازمية للاجتماع، وعلى جدول الأعمال أمور عدة، أهمها انتخابات المجلس الأولمبي الآسيوي. هذه الانتخابات التي جرت في اليابان يوم الخميس 14 الجاري وشهدت انسحاب رئيس اللجنة الأولمبية اللبنانية أنطوان شارتييه لمصلحة لائحة التزكية، تحولت الى فتيل أزمة في اللجنة اللبنانية. فأطراف عدة حمّلت عضوي اللجنة طوني خوري وهاشم حيدر مسؤولية «إحراج شارتييه»، والعمل ضد مصلحة لبنان، الى حدود المطالبة بمحاسبتهما على الصعيد الوطني. تحليلات عدة رافقت «الحدث المشؤوم». البعض رأى أن شارتييه لم «يتصرّف صح» لا قبل الانتخابات ولا خلالها، ما قد يكلّف لبنان كثيراً على الصعيد الأولمبي الآسيوي، بعد إبلاغ شارتييه من قبل المسؤول الآسيوي حيدر فرمان أن بدايته مع المجلس الآسيوي «سيئة وغير مشجعة»، نتيجة رفضه الانسحاب عشية الانتخابات رغم معرفته بسعي رئيس المجلس الكويتي أحمد الفهد الى إنشاء مجلس جديد بالتزكية. هذا الاستياء بدأت تظهر نتائجه مع تلمّس رئيسي اتحادين لبنانيين أن العلاقة مع المجلس الآسيوي «بعد الانتخابات ليست كما كانت قبلها»، وذلك حين طلب الرئيسان الحصول على دعم في ألعابهما كان متفقاً عليه سابقاً.
وتحميل شارتييه المسؤولية ينطلق من نقطتين: الأولى عدم تحركه انتخابياً والعمل مع ممثلي اللجان الأولمبية الأخرى لوقوف على رأيهم والحصول على دعمهم في الانتخابات، إضافة الى عدم القيام بأي تحرك متعارف عليه في الترشح لأي انتخابات، الى جانب حضوره متأخراً ليلة الانتخابات (وصل الساعة 22.30). أما النقطة الثانية، فهي تعاطيه الخاطئ مع سيناريو الانسحاب، بمعنى أنه «لم يقرأها صح»، وبدلاً من تحويل الانسحاب الى عنصر إيجابي له وللبنان، جاء توقيته في وقت متأخر يوم الانتخابات، وفي فترة الاستراحة دون أن يكون له صدى عند الفهد، وهو ما ظهر من خلال رده على إعلان شارتييه الانسحاب (تحدث عنه حيدر في تقريره).
أما البعض الآخر، فذهب في تحليلاته الى اعتبار أن ما حصل كان مدبراً، وأن حيدر تقصّد إخراج هذا السيناريو لتوجيه «بوكس» الى شارتييه في ظل العلاقة غير الجيدة بين الشخصين. أضف الى ذلك أن الثنائي خوري وحيدر كانا قادرين على تجنيب شارتييه هذا الإحراج، وإبلاغه مع أعضاء اللجنة التنفيذية اللبنانية مسبقاً حقيقة الأمور، وخصوصاً أن ترشيح شارتييه للانتخابات لم يكن بهذه السهولة، مع الحديث عن نية سابقة لحيدر والأمين العام للّجنة عزة قريطم الترشّح للانتخابات قبل أن يسمّى شارتييه، باعتبار أن الرئيس هو الذي يترشح للانتخابات، وهو ما حصل سابقاً مع اللواء سهيل خوري (الذي عاد الى المجلس، لكن من باب التعيين هذه المرة).
هذا الأمر استدعى رداً من حيدر، الذي قدّم إلى أعضاء اللجنة التنفيذية تقريراً مفصلاً (اطّلعت «الأخبار» عليه) عن حقيقة ما جرى في طوكيو لحظة بلحظة. فالبداية كانت من عند رئيس الاتحاد الآسيوي محمد بن همام، الذي سأله حيدر عن حظوظ مرشّح لبنان في دخول المجلس ليأتي رد بن همام سلبياً، وهو ما أُبلغ لشارتييه وقريطم، فما كان من الأخير إلا أن عدل عن الترشح (بعد استطلاع الموضوع من مصادره أيضاً)، فيما أصر شارتييه على الترشّح.
ويورد التقرير تفصيل الأحداث من لحظة وصولهم حتى انسحاب شارتييه، والحديث الذي دار بين جميع الأطراف، وخصوصاً مع فرمان، الذي نقل رغبة الفهد في التزكية، وجاءه الرد بأن شارتييه لا يستطيع الانسحاب، وهو مكلف من اللجنة الأولمبية، والقرار لا يعود إليه. وهو أمر ذكّره به الفهد حين أبلغه شارتييه الانسحاب في اليوم التالي في فترة الاستراحة، متسائلاً عن كيفية انسحابه، هو الذي كان أمس مكلفاً من اللجنة، والذي لا تسمح له كرامته بذلك.
تقرير حيدر اطلع عليه الأعضاء، والرئيس، الذي وافق على ما جاء فيه، مشيراً إلى أن هذا ما حصل، لكن حيدر لم يكتف بذلك، بل تحدث خلال الجلسة عن الكلام المشكّك في وطنيته الصادر عن المحاضر الأولمبي جهاد سلامة، حيث قيل إن حيدر أشار الى أن سلامة كان ضابط ارتباط مع الجيش الإسرائيلي عام 1982، علماً أن سلامة من مواليد عام 1966 ولا يمكن أن يكون ضابط ارتباط وهو في سن الـ 16 سنة، لكن ما أشيع عن كلام حيدر نفاه الأخير بقوة خلال الجمعية العمومية لاتحاد كرة القدم قائلاً «أتحدى من يقول إنني قلت ذلك أن يأتي ويواجهني».
ورغم التقرير المفصل، لم يجنب ذلك الجلسة نقاشات حادة، وخصوصاً بين حيدر وعضو اللجنة رئيس اتحاد الرماية زياد ريشا، على خلفية الكلام الذي قاله ريشا لـ «الأخبار» عن عدم وجود لجنة أولمبية، بل هناك أشخاص يتصرفون على أهوائهم. وأشار عضو، معروف بهدوئه كان حاضراً في الجلسة، إلى أن ريشا فتح النار على الرئيس أنطوان شارتييه والأعضاء طوني خوري وهاشم حيدر وعزة قريطم، متهماً إياهم بتدبير الأمور في جلسات خاصة دون إشراك أعضاء اللجنة الأولمبية في القرار. وقدم دليلاً على ذلك ما رافق اختيار رئيس البعثة اللبنانية الى أولمبياد 2012، حيث جرى الاتفاق بين الأعضاء الأربعة على اختيار مازن رمضان رئيساً للبعثة، قبل أن يترشّح ريشا ويفوز بالتصويت وهو ما أدى الى اعتكاف رمضان عن حضور الجلسات. وهنا اشتعلت بين ريشا وقريطم، وخصوصاً بعدما كشف ريشا أن قريطم أبلغه أنه علم بترشح رمضان الى الانتخابات فيما كان حاضراً في الجلسة الرباعية قبل يوم، وهو أمر أزعج قريطم نتيجة اتهام ريشا.
انتهت الجلسة الأولمبية، أو بالأحرى رفعت، لكن المشكلة لم تنته، وخصوصاً مع تداعياتها على العمل الرياضي بين الأحزاب، وتحديداً بين التيار الوطني الحر وحركة أمل، نسبة للحديث الذي قاله رئيس هيئة الرياضة في التيار الوطني الحر لـ «الأخبار» سابقاً، علماً أن موقف سلامة لا يتعلق بانتخابات المجلس الأولمبي الآسيوي، بل بمجمل التعاطي مع حيدر. هذه العلاقة أوجبت اجتماعاً بين سلامة ومسؤول الرياضة المركزي في حركة أمل مازن قبيسي لمعالجة الموضوع، واللافت أن الاجتماع جرى في ذات الوقت الذي كانت فيه اللجنة الأولمبية مجتمعة.



اجتماع اللجنة الأولمبية المقبل سيقام... لن يقام؟

لا شك أن ما حصل في جلسة الأربعاء، والإشكالات التي رافقتها، خلقا بلبلة لدى الأمانة العامة للجنة الأولمبية، التي أبلغت الأعضاء عقد جلسة يوم الأربعاء المقبل لإكمال الجلسة التي تعطلت، ثم عادت ودعت الأعضاء الى جلسة أمس، ما لبثت أن ألغيت. وحاولنا استيضاح الأمين العام عزة قريطم، لكنه «غاب عن السمع». وكان الرئيس أنطوان شارتييه قد رفع جلسة الأربعاء الماضي، بعدما طالب نائبه هاشم حيدر بإصدار بيان يرد على ما قاله لـ «الأخبار» عن علاقته بحيدر، وهو أمر أيده بعض الأعضاء، فيما رفضه أعضاء آخرون، فتوترت الأجواء وعلت الأصوات ليرفع الرئيس الجلسة على عجل. هذا ومن المنتظر أن تكون الجلسة المقبلة حامية نظراً إلى كون بعض الأمور ما زالت معلّقة، إلا إذا حصلت تدخلات وهدأت الأجواء. واللافت أن جلسة الأربعاء عاشت تناقضات حادة في خلال ساعات، إذ حصلت مشادة قوية بين حيدر وزياد ريشا، وأيضاً على خلفية كلام الأخير لـ «الأخبار»، لكن الاثنين ما لبثا أن تبادلا القبل، ما يشير الى أن القصة ليست شخصية، بل هي اختلاف في وجهات النظر يمكن حلّه بالحوار، وبوضع خريطة طريق صحيحة للعمل الأولمبي.