لا موسم جديد في الدوري الأميركي الشمالي للمحترفين في كرة السلة حتى الآن؛ إذ إن الأزمة التي حُكي عنها في نهاية الموسم الماضي اشتدت مطلع الشهر الحالي بفعل تعثر المفاوضات بين اللاعبين ومالكي الأندية، فأعلن النجوم الإضراب حتى الحصول على مطالبهم التي تبدو تعجيزية بالنسبة إلى الطرف الآخر. وإذ لم يأخذ الرأي العام الأمور بجديّة قبل أسابيع قليلة، أكد العناد الذي ظهر عليه اللاعبون في الأيام الأخيرة وعدم استعدادهم للتراجع، ولو خطوة واحدة، في مفاوضاتهم العسيرة، أن دوري العمالقة فعلاً في خطر، وسط ترجيحات المراقبين بأنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق قريب، لن يؤدي هذا الأمر إلى تأجيل البطولة المزمع انطلاقها في أول تشرين الثاني المقبل فقط، بل إلى إمكان إلغائها، وخصوصاً أن اللاعبين لن ينتظروا إلى الأبد الشيكات الموعودين بها.
ويبدو الاختلاف جذرياً في هذه المشكلة التي عاشتها الرياضة الأميركية في رياضات أخرى وأدت إلى تأجيل البطولات لأشهرٍ طويلة، على غرار ما حصل في دوري الهوكي على الجليد مرات عدة في منتصف تسعينيات القرن الماضي. كذلك، وفي الفترة عينها، أُصيب دوري البايسبول الشعبي بأزمةٍ مشابهة عام 1994. وأخيراً، برز تعليق موسم كرة القدم الأميركية منذ آذار الماضي وحتى يوم أمس لأسبابٍ مشابهة...
والخلاف الحاصل هنا يبدو أساسياً في أمور جوهرية، وهو يتعلّق تحديداً بالأجور المدفوعة للاعبين، وتحديد سقف هذه الأجور، إضافةً إلى العائدات التسويقية وتلك الخاصة بالنقل التفلزيوني. وفي هذه النقاط، برزت محاولة مالكي الأندية التعامل بليونة مع الحدّ الأقصى للأجور المحدّد بخمسة ملايين دولار في السنة، وذلك عبر الموافقة على رفعه إلى سبعة ملايين في العقود الممتدة على مدى ست سنوات، لكن خفض نسبة العائدات من 57 بالمئة إلى 54.3 لم تحظَ بموافقة اللاعبين الذين فجّروا المفاوضات التي يقودها حالياً رئيس رابطتهم صانع ألعاب لوس أنجلس لايكرز ديريك فيشر، الذي يبدو أنه يتّسم بالعناد داخل أرض الملعب وخارجها.

الأندية عاجزة

وفي خضم المعركة، تبدو الأندية المتضرّر الأكبر من إجراء اللاعبين، وخصوصاً مع تردد أنباء في الفترة الأخيرة عن أن الدوري الأميركي «مريض»؛ إذ إن الأندية تصرف من دون مقابل يعوّض عليها خسائرها، ما يضعف الوضع التنافسي. لذا، هذه الأخيرة تريد حماية نفسها في الوقت الحالي، وهي لم تجد مشكلة في عدم إطلاق الموسم الصيفي التقليدي الذي يسبق انطلاق البطولة، إضافةً إلى عدم ذهابها في تلك الجولات الأوروبية التي اعتدناها في الأعوام القريبة الماضية.
وفي ظل اتساع الهوة في المفاوضات، يبدو أن الدوري سيلاقي المصير الذي عاشه موسم 1998-1999، حيث قُلِّص عدد المباريات. لكن ما يلفت أن الرابطة ذهبت إلى إصدار البرنامج الكامل، وكأن شيئاً لم يحصل، رغم مناداتها بضرورة التوصّل إلى اتفاقٍ سريع بما يحمي استمرارية الأندية التي أطلقت صرخة ألم بعد خسارتها مئات الملايين سنوياً.

لاعبون عاطلون من العمل

وفي ظل التجاذبات الحاصلة، لن تكون الجماهير راضية عن جلوسها من دون مشاهدة كرة السلة الخاصة بأقوى بطولة في العالم، لكن هذا الامر لن يحدث ضرراً عندها بقدر ذاك الذي سيصيب جميع العاملين في هذا المجال ويرتبطون مباشرة بالأندية والدوري. واللافت أن النجوم يعدّون أنفسهم متضررين؛ إذ إن أسلوب الحياة الذي اعتادوه يتطلّب حصولهم على مبالغ عالية ودخول مردود إلى حساباتهم الشخصية باستمرار. ومن دون شك، ستغيّر هذه الأزمة من وضعهم الاجتماعي؛ فهم رسمياً الآن عاطلون من العمل بسبب تجميد نشاط فرقهم، وهي مشكلة تؤثر على وضعهم البدني أيضاً. وإذ بدأت الأندية تضع باللائمة على وكلاء أعمال اللاعبين الذين تتملكهم المطامع، فإن البعض سيكون قادراً على الحصول على مدخولٍ في الأشهر الـ 18 المقبلة، بينما بدأ البعض الآخر يفكر بالرحيل للبقاء ضمن الأجواء التنافسية، وهي مسألة بدأت تثير الأندية الأوروبية والنجوم على حدٍّ سواء؛ إذ سبق أن أعلن عديدون منهم رغبة في الانتقال إلى «القارة العجوز»، وعلى رأسهم نجوم الصف الأول كوبي براينت ودواين وايد وكيفن دورانت ودوايت هاورد وكريس بول وديرون وليامس، الذي أشار بشيكطاش التركي إلى اقترابه من ضمّه إلى صفوفه.
لكن مخطئ من يعتقد أن اللاعبين سيخرجون رافعين شارات النصر في نهاية هذه الحرب؛ إذ إن مالكي الأندية يريدون تحجيمهم وهم أبدوا كل استعداد لخوض معركة يومية والوقوف في وجه ما سمّوه جشعاً لا حدود له.



ديفيد شتيرن في صفّ الأندية

بدا «الرجل القوي» في الـ«أن بي آي» ديفيد شتيرن الذي يشغل منصب رئيس رابطة المحترفين، في صف الأندية، مشيراً الى أن العام الماضي لم يعكس مردوداً طيّباً على المالكين، وخصوصاً تلك التي تملك أسواقاً ضيّقة، مضيفاً «الهدف هنا جعل الدوري مربحاً وخلق منافسة بين الفرق الـ 30 المشاركة».