قدّم منتخب ألمانيا في مونديال الناشئين مستوى رائعاً، ورغم حلوله ثالثاً فإن الكثيرين أطلقوا عليه لقب «البطل غير المتوّج» (توّجت المكسيك باللقب) بفضل عروضه الساحرة، وخير دليل على ذلك هو فوزه على البرازيل (4-3) التي غالباً ما تطلق المواهب الى النجومية في مناسبات مماثلة. الا أن ما لفت انتباه المراقبين والصحافة العالمية لدى تعرّفهم إلى «المانشافت» الصغير هو أن العديد من لاعبيه هم من أصول تركيّة وعلى رأسهم صانع الالعاب الموهوب والذي ينتظره مستقبل واعد إيمري كان، اضافة الى المهاجم الهداف ساميد ياسيل. واذ لا يبدو مفاجئاً أن يكون العديد من عناصر منتخبات الفئات العمرية الألمانية ذوي اصول متعددة وتحديداً تركية، حيث إن المانيا، بصفتها البلد الأوروبي الأكثر كثافة في السكان، تحتوي نسبة عالية من المهاجرين وخصوصاً الجالية التركية، فإن المفاجئ هو ارتفاع أصوات تركية في الآونة الاخيرة تطالب بالاستفادة من خدمات هؤلاء اللاعبين الواعدين لكي يمثلوا منتخب تركيا. ولا يخفى أن الاصرار التركي مردّه الظهور اللافت لمسعود أوزيل ذي الأصول التركية (رغم تشديده على جذوره الكردية) مع ألمانيا في مونديال 2010.
هكذا، حُكي أخيراً أن مسؤولين كرويين أتراكاً توجهوا الى المكسيك لرصد المواهب أصحاب الأصول التركية وبدأوا باستفزاز الألمان بتصاريحهم. هذه «الهجمة» التركية سرعان ما لقيت رداً من المسؤولين الكرويين الالمان وعلى رأسهم المدير التقني في الاتحاد الالماني لكرة القدم والمعني بالفئات العمرية ماتياس زامر.

أحقيّة ألمانية

كما هو معلوم، فإن ألمانيا ومنذ سقوطها المدوّي في مونديال 1998 في فرنسا يوم اطلق على منتخبها لقب «منتخب العجزة» قررت ترميم كرتها بدءاً بقطاع الناشئين وحتى من المدارس، فلا يعقل أن يصقل هؤلاء المهاجرون والمولودون في ألمانيا (حتى ان بعضهم من أم ألمانية) ويتعلمون أصول كرة القدم وفق احدث الطرق التدريبية منذ نعومة أظافرهم وتصرف عليهم الاندية الاموال، ثم تأتي بلدانهم الأصلية لتطالب بهم، وخصوصاً أن المسؤولين الالمان لم يختاروا هؤلاء اللاعبين وفق اصولهم بل لمهاراتهم، اذ يجب التذكير بأن ألمانيا قامت في فترة بتجنيس لاعبين برازيليين هما كاكاو وباولو رينك، واستعانت بخدمات الغاني المولد جيرالد أسامواه، الا ان هذه التجربة لم يكتب لها النجاح وفشل هؤلاء اللاعبون فشلاً ذريعاً مع «المانشافت».
كما ان الألمان وبما عرفوا في عهود سابقة بتعصبهم للعرق الجرماني يقدّمون للعالم نموذجاً مختلفاً يعبّر عن الاختلاط بين لاعبين من أعراق وديانات متعددة بعكس الفضيحة التي ظهرت الى العلن أخيراً من تمييز عنصري في فرنسا ومطالبة بتقليص عدد المهاجرين الأفارقة والمسلمين في المنتخبات الفرنسية.
كذلك هناك مسألة مهمة هي أن على الاتحاد الدولي أن يغيّر من قوانينه بالعودة الى القانون القديم في ما يخص ان يمثّل اللاعب منتخباً معيناً في فئات الناشئين ثم يختار بلده الأصلي لتمثيله في منتخب الكبار، وهذا ما من شأنه أن يضع حدّاً للكثير من المشاكل التي يمكن ان تنشأ بين الاتحادات الكروية.
اذاً هي حرب كروية باردة بين الألمان والاتراك ولم تضع أوزارها منذ مطلع الالفية الجديدة، وقد تأججت اصلاً عندما قرر التوأم خليل وحميد ألتينتوب ارتداء قميص بلادهم الأم، وحذا حذوهم نوري شاهين الذي كان مؤذياً بقراره بأشواط، اذ هز في مباراته الدولية الأولى الشباك الالمانية، ليصبح اصغر هداف في تاريخ المنتخب الأحمر في سن السابعة عشرة.