غدت الرياضة مرآة تعكس صوراً للبلاد وتقدّمها وتحضّرها. وتحولت منظمات الألعاب العالمية، الأولمبية والدولية والقارية، إلى منظمات مستقلة تسعى ما قدرت لتتحرر من قيود السياسة والسلطات والحكام، ولتفرض أنظمة وقوانين أشمل لالتقاء البشر، بعيداً عن العنصرية والطائفية وكل ما يضرّ بإنسانية الإنسان.ذلك تحت عنوان «الرياضة للحياة» ترفيه وتلاق وتسامح، يجمع ما تفرقه السياسة وحواشيها، فأضحت غرضاً يطارده رجالها ليستغلوا مواردها وجماهيرها، ولها في دوائر الألعاب العالمية ألف صورة ومشكل. أما في لبنان، فله حكاية ومأساة.
وفي نظرة إلى واقع رياضاتنا وتركيبات اتحاداتها ونواديها، وخصوصاً كرة القدم وكرة السلة عندنا، وفي ظروف واقع البلد المنقسم سياسياً وطائفياً، تشهد الرياضة حروباً ومعارك تسقط فيها ألعاب وجماهير ضحايا وتسقط معها سمعة البلد.

حروب: سياسات رياضة لبنان

سياسات الرياضة في لبنان حالة فريدة في علم السياسات المقارنة. هذا ما ورد في دراسة لمجلة «سياسات العالم الثالث» الأكاديمية الصادرة بالإنكليزية تحت عنوان: «حرب من دون رصاص».
ذكر البروفسور دانيال رايتش أن الرياضة معروفة بأنها تنفّس الاحتقان الفئوي في المجتمع الواحد، وأعطى مثالاً على ذلك دولة جنوب أفريقيا. لكنه قال إن الوضع عكس ذلك في لبنان، حيث معظم النوادي الرياضية الاحترافية لديها ارتباطات مذهبية وسياسية، وإن معظمها لها ارتباطات بإحدى الطوائف الكبيرة في لبنان. وقال المؤلّف إنه حتى عام 2005 كان التنافس بشكل رئيسي في كرة القدم وكرة السلة بين المسلمين والمسيحيين، ولكن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 انقسمت السياسة اللبنانية بين كتلتي 8 آذار و14 آذار، وانتقل الصراع بين الكتلتين بالواسطة إلى مباريات الرجال، وخصوصاً في كرة القدم وكرة السلة.
وفي الفرق النسائية الرئيسية للعبتين، هناك ارتباطات مذهبية، لكنها ليست ارتباطات سياسية. وأضاف البروفسور أنه لا مجال تتواجه فيه الطوائف في لبنان مباشرة أكثر من المجال الرياضي، ويمكن وصف الرياضة في لبنان استعارة عبارة جورج أورويل الشهيرة بأنها «حرب من دون رصاص». وأضاف أنه عقب شجار عنيف بين المشجعين، حظرت الحكومة اللبنانية حضور المشجعين في الملاعب (كرة القدم)، وقد رُفع الحظر (نظرياً) في عام 2010، لكن الملاعب لا تنفك تكون شبه فارغة، والفرق الرياضية لم تعد تنال من محطات التلفزيون المداخيل التي كانت تنالها في السابق. وقال إن هذا أسهم في دفع النوادي أكثر إلى أحضان السياسيين الداعمين لها.
وذكر أيضاً أن غالبية الفرق الرياضية محسوبة على أفرقاء سياسيين أو طوائف، لذا تتردد الشركات الكبيرة في دعمها مخافة أن تُحسب على تيارها السياسي أو المذهبي. وأضاف أيضاً، بما أن كل الفرق اللبنانية الاحترافية للرجال لها من يدعمها من السياسيين، فالمنتخب الوطني نظرياً يجب أن يسهم في بناء شخصية لبنانية موحدة. وقال إن المنتخب الوطني اللبناني في كرة القدم لم يحقق الكثير، لذا فإن منتخب كرة السلة هو المرشّح لتوحيد الشعب اللبناني حوله، وهو من الفرق الرائدة في آسيا. وخلص رايتش إلى أن أمام لبنان طريقاً طويلاً قبل أن يتحول من دولة طائفية إلى دولة علمانية، ولكن هناك بعض البشائر. ففي شباط من عام 2009 بات يمكن المواطن اللبناني أن يحذف انتماءه الديني من سجلات قيده. وهناك أيضاً بعض بوادر الأمل في المجال الرياضي، مع ظهور جمعيات غير حكومية تشجع الرياضة كوسيلة للتغيير الاجتماعي والسلمي.
بناءً على هذه الدراسة الأكاديمية لأستاذ اجتماعي غربي، وما نعرفه ونعيشه نحن والمعنيون من تفاصيلها، يمكن أن نتساءل: إلى أين تسير رياضاتنا ومسيّروها وحاكمو نواديها من أهل السياسة والمال الداعم والمال المستغل لأغراض سياسية ـ انتخابية ـ تبييضيّة؟ وكم ناد مدعوم يمتص الزعيم والبيك والريس ورده ثم يتركه في أحلك ظروفه بلا غطاء يدبّر حاله وأحواله ويكمل مشواره مكسوراً؟
وصل الأمر بنواد شعبية كبرى كالنجمة والأنصار والرياضي إلى أن تقع في براثن المال السياسي البراق، فتغذت منه فترة، وخصوصاً خلال مراحل الغليان السياسي ـ الطائفي، ولكنها تراجعت تدريجاً فغدت تنتظر العطف والترجّي لتسدّ بعض حاجاتها الأساسية، بعدما فقدت غذاءها الأساسي، فبدأت تبحث عن جماهيرها المبعثرة بين هاربة ونافرة وكارهة.
هل من حملة إنقاذ لرياضة الوطن من دون إنقاذ الوطن أولاً؟
الجواب صعب... والآتي أصعب.



البناء استراتيجية

في واقع لعبة كرة القدم التي فقدت شعبيتها وحضورها في الملاعب، تحت تنافر مراجعها وتصارعهم، وخصوصاً في اتحاد للعبة، تواصل مراجع جماهيرية حملتها بعنوان «كفى» لتنظيم حركة إنقاذية تدعو إلى استقالة اتحاد التوافق الحالي «المسيّس» وإعادة بناء سليم. ويشير العارفون إلى أن البناء ينطلق من خطة استراتيجية عامة وضعها الوزير علي عبد الله فمن يتابع؟