لو جاء أحدهم ليقول قبل بداية الموسم الجديد بأن ليستر سيتي سيقف في المركز الثالث بعد 12 مرحلة على انطلاق الدوري الإنكليزي لكرة القدم وبفارق نقطة واحدة عن صاحب الصدارة، لاعتُبر هذا الأمر ضرباً من الجنون أو ربما تخيّلات غير واقعية.
لكن ما كان بالإمكان اعتباره مجرد أوهام أصبح واقعاً، فالفريق الأزرق الذي تفادى الهبوط في الموسم الماضي، حيث أنهاه في المركز الرابع عشر وبفارق 6 نقاط فقط عن أول الهابطين هال سيتي، أصبح مزعجاً كثيراً لكبار إنكلترا، وهو الذي يقف حتى متقدّماً على أحد العمالقة هناك، أي مانشستر يونايتد الذي يحتل المركز الرابع حالياً.
طبعاً، قد لا يتمكن ليستر سيتي من إنهاء الموسم في مركزٍ بين الثلاثة الأوائل، وهو أمر مرجّح فنياً مقارنة بتشكيلته المحدودة الخيارات، لكن الأكيد أن الفريق يمكن أن يقدّم موسماً لن ينسى لمتابعي الكرة الإنكليزية الذين باتوا يترقبون مبارياته، على اعتبار أنه يشكل تحدياً خاصاً لأي فريقٍ كبير يقف في وجهه.
وهذا الأمر يأخذنا الى لعبة التوقعات التي لا يعرف خباياها سوى الكبار، ومنهم المدرب الإيطالي كلاوديو رانييري الذي لا يأبه عادةً لما يُقال حوله أو في الإعلام، بل يأخذ خياراته ويمشي بها، وهذا ما عوّدنا عليه أيام إشرافه على تشلسي بين عامي 2000 و2004. وبما أنه درّب «بلوز» لندن، أشار كثيرون الى أن قبوله بمهمة تدريب فريق متواضع هو ليستر سيكون مسماراً يدقّ في نعش موت مسيرته التدريبية.

أصبح فاردي ثاني لاعب بعد فان نيستلروي يسجل في 9 مباريات متتالية


لم يكترث رانييري لهذه الأقاويل، بل سار بواقعيته متشبثاً بفلسفته القائلة بأن في كل فريق هناك من يمكنه اجتراح المعجزات في حال العمل بطريقة مركّزة بعيداً عن الضجيج والحسابات المعقدة. أما النتيجة فكانت كرة قدم سريعة، هجومية وجذابة بقيادة مهاجم لا يمكن وقفه حالياً هو الموهوب جايمي فاردي الذي أصبح ثاني لاعب فقط بعد مهاجم مانشستر يونايتد السابق رود فان نيستلروي يسجل في 9 مباريات متتالية، وهو يملك فرصة لمعادلة الهولندي في المباراة المقبلة لفريق «الذئاب».
أما الأهم من كل هذا فهو أن ليستر يلعب من دون ضغوط، حيث يشدد رانييري على لاعبيه بضرورة الاستمتاع في المباريات، والدليل أن الأسبوع الماضي اصطحبهم لتناول البيتزا احتفالاً بأدائهم المميز أخيراً!
وما بين فاردي الذي يتصدر ترتيب الهدافين بـ 12 هدفاً، وزميله الجزائري رياض محرز الذي يقف خلفه برصيد 7 أهداف، بات ليستر مصدر الخطر الأكبر على فرق المقدمة في إنكلترا، وهو يبدو قادراً على لعب هذا الدور بشكلٍ أكبر مما فعله وست هام مثلاً في بداية الموسم، والسبب هو وجود رانييري الذي يقول لاعبوه بأن لديه في جعبته استراتيجيات بقدر ما تحويه البيتزا من مكوّنات، وهو يرميها على الطاولة بحسب متطلبات المباراة، ولهذا السبب نرى أن ليستر يلعب أحياناً بطريقة
4-4-1-1، وفي أحيانٍ أخرى بطريقة 4-1-4-1.
طبعاً، لا يمكن إصدار حكم نهائي على الفريق بعد 12 مرحلة فقط، إذ أقله يفترض الانتظار 6 مباريات أخرى، أي حتى انتصاف البطولة، لكن في حال مواصلة ليستر النسج على المنوال عينه، فإنه سيلفت أنظار أوروبا كلها إليه لأنه قد يكون موجوداً في الساحة مع كبارها في الموسم المقبل. هو قدّم الكثير أصلاً هذا الموسم، إذ عرّف الإنكليز على قناص اسمه فاردي، وترك رسالة للعالم العربي بأن هناك اسماً مميزاً آخر غير المصري محمد صلاح في الكرة الأوروبية هو الموهوب محرز.