هل تذكرون البرازيلي رونالدو عندما كان يصول ويجول في ملاعب إيطاليا خلال فترته الذهبية مع إنتر ميلانو وبعدها مع ميلان؟ هل تذكرون في الفترة نفسها الأرجنتيني غابرييل باتيستوتا والألماني أوليفر بيرهوف والليبيري جورج وياه وكوكبة النجوم العالميين التي كانت تزخر بها الملاعب الإيطالية؟
وقتها، كان الدوري الإيطالي الأكثر متعة وتشويقاً ومتابعة. الآن، الأمور تبدلت والأحوال تغيرت. بالكاد حتى نشاهد النجوم العالميين في الملاعب الإيطالية. حتى القلة القليلة منهم شدّت رحالها خارج تلك البلاد. أين السويدي زلاتان إبراهيموفيتش والبرازيلي تياغو سيلفا والأوروغواياني دييغو فورلان والأرجنتيني ايزيكييل لافيتزي والهولندي كلارنس سيدورف واليساندرو نيستا وجينارو غاتوزو؟ كلهم خارج إيطاليا. إين الكاميروني صامويل إيتو والأرجنتيني خافيير باستوري والتشيلياني الكسيس سانشيز؟ هؤلاء شدوا رحالهم خارج إيطاليا منذ العام الماضي ايضاً. ملاعب ايطاليا باتت مهجورة من النجوم، هذا هو العنوان الذي يليق بالواقع الحالي في تلك البلاد.
وأكثر من ذلك، إن التقارير في الايام الاخيرة جاءت لتؤكد هذا الواقع المرير، اذ رفض الارجنتيني غونزالو هيغواين عرضاً للانتقال الى يوفنتوس مفضّلاً البقاء في الدوري الاسباني مع ناديه ريال مدريد، فيما قطع البوسني إدين دزيكو، لاعب مانشستر سيتي الانكليزي، الطريق امام ميلان الراغب بضمه، وسط اقرار رئيس النادي اللومباردي، ادريانو غالياني، امس، بأن النجوم لم يعودوا يرغبون في الانتقال الى ايطاليا.
شتان ما بين الماضي والحاضر اذاً. وهنا يمكن التوقف عند سببين رئيسيين يقفان وراء ما يحدث. اولاً، لا يخفى ان الاندية الايطالية تعاني ضائقة مادية واضحة، وهذا الامر يتمثل بعدم تمنّعها عن بيع أفضل نجومها للدوريات القوية والأندية الثرية في البلدان المجاورة، حتى ان بعض النجوم في الدوري الايطالي يجاهرون علناً بأهمية عنصر المال، وهذا ما يؤكده بالدليل القاطع النجم الاوروغواياني ادينسون كافاني الذي حدد مبلغ 190 الف يورو راتباً أسبوعياً للانتقال من نابولي الى تشلسي الانكليزي. العنوان واضح اذاً: النجوم يبحثون عن المصلحة الشخصية والدولارات في الأندية الثرية الاوروبية، وهذا ما ينطبق على حالات ايتو وابراهيموفيتش وسيلفا تحديداً.
أضف الى ذلك، إن الدوري الايطالي لم يتحول بعد الى موطئ قدم للمستثمرين من البلدان الخليجية او الآسيوية، على غرار ما هو حاصل في إنكلترا واسبانيا، وهذا ما جعل الهامش في الثراء بين الاندية الايطالية من جهة والانكليزية والاسبانية من جهة اخرى يبدو كبيراً جداً.
الامر الثاني، ان الاندية الايطالية الكبرى باتت في الآونة الأخيرة تبحث عن اللاعبين الاجانب من الصف الثاني، على غرار البرازيلي فيليبي كوتينيو، او من الصف الثالث على غرار الياباني يوتو ناغاتومو في انتر ميلانو، وهذا ما ادى الى ضعف الدوري الايطالي، حتى وصل الامر الى ان ينتزع منه الدوري الالماني المركز الرابع المؤهل الى دوري ابطال اوروبا، وهو سبب اضافي لإحجام النجوم عن الـ«سيريا أ».
امام هذا الواقع، قد يعتبر البعض ان الامور تبدو سلبية بالمطلق لما يحدث من هجرة للنجوم الأجانب، لكن ما يمكن قوله هنا أن ثمة ايجابية لتقلص عدد النجوم في الملاعب الايطالية، وهذا الامر يتمثل بالفائدة للاعب المحلي، اذ من قال ان ايطاليا لا تمتلك مواهب من الطراز العالمي بإمكانها ان تثبت مقدراتها بغياب النجوم الاجانب؟ أضف الى ذلك، إن الأرقام تشير الى ان اللاعبين الأجانب في «السيريا أ» الموسم المنصرم كانت نسبتهم أعلى من اللاعبين المحليين للمرة الاولى في تاريخ البطولة الايطالية. من هنا، إن المكسب الاول بتقلص عدد النجوم واللاعبين الأجانب يعود الى اللاعب الايطالي الذي بإمكانه ان يأخذ فرصته على نحو اكبر ويعود ذلك بالفائدة على المنتخب الوطني، وهذه النقطة عملت المانيا على سبيل المثال عن دراسة على اعتمادها لتقوية منتخبها الوطني.
اذاً، الدوري الايطالي يبدو امام واقع جديد. واقع لن نرى فيه النجوم الذين نستمتع بفنياتهم على المستطيل الأخضر. واقع يجعل الانظار تحيد عن ارض الطليان. لا شك في أن تشيزاري برانديللي، مدرب الـ«آزوري»، هو أكثر الممتنين لهذا الواقع، فالفرصة اتت للاعبين المحليين ليقولوا كلمتهم.



أبناء الوطن تغيّروا!


بدا أنطونيو كاسانو واضحاً قبل أيام بأنه مستعد لترك ميلان، حتى إن النجم إليساندرو دل بييرو رُبط بالانتقال إلى الولايات المتحدة أو البرازيل أو الأرجنتين على حد قول شقيقه. واقع لم نكن لنشهده مع نجوم إيطاليين سابقين حتى لو بلغوا مبلغاً من العمر، فعلى سبيل المثال، رفض باولو مالديني الاعتزال إلا في صفوف فريقه الأول ميلان، فيما لم يبارح روبرتو باجيو الملاعب الإيطالية إطلاقاً حتى في سن «الشيخوخة»، مختتماً حياته الكروية في ملاعبها، ولو في فريق متواضع على غرار بريشيا.