يوماً بعد يوم تزداد التكهنات من هنا والترشيحات من هناك حول اللاعب الذي سيحرز الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم. لكن من بين كل هذه التكهنات والترشيحات يجدر التوقف عند رأيَي «ملك» الكرة البرازيلي بيليه، وحارس إيطاليا الشهير دينو زوف. الرجلان بدَوَا واضحين بأنهما يرحبان بفوز ايكر كاسياس حارس مرمى ريال مدريد ومنتخب إسبانيا بطل العالم وأوروبا بالجائزة. واللافت أنها من المرات النادرة التي يخرج فيها عملاقان في الفترة الأخيرة بتصريحين يتفقان فيه على لاعب بعينه بعيداً عن الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو.
إذاً، كاسياس هو المفضّل لدى بيليه وزوف. خيار لن يعجب بالطبع عشاق ميسي ورونالدو، لكنه خيار منطقي ومنطقي جداً. نعم، في المبدأ لا يختلف اثنان على أن ميسي ورونالدو هما اللاعبان الأكثر كمالية على المستوى الكروي في العالم، والأكثر تأثيراً في فريقيهما برشلونة وريال مدريد، والأكثر تسجيلاً للأهداف، لكن هذا لا يمنع من أن تذهب الجائزة للاعب آخر. ميسي ساحر طبعاً ورونالدو فعال لا شك، لكن كاسياس عظيم أيضاً.
هنا، ثمة أكثر من سبب منطقي، بعيداً عما قاله بيليه وزوف، يجعل من حصول كاسياس البالغ من العمر 31 عاماً على الكرة الذهبية يبدو أمراً مستحقاً.
ففي المقام الأول، إذا ما أردنا أن نقارن بين الألقاب التي حققها الثلاثي، فإن الغلبة تبدو واضحة لكاسياس. لقب الدوري الإسباني مع ريال مدريد ولقب كأس أوروبا مع إسبانيا. أما رونالدو، فاكتفى بلقب الدوري الإسباني مع الملكي، فيما غلة ميسي كانت لقب كأس ملك إسبانيا فقط. إذاً، تفوق واضح لكاسياس.
في المقام الثاني، نأتي إلى الأرقام التي سجلها الثلاثي. ميسي، لا شك، كان قياسياً بـ 50 هدفاً في الدوري الإسباني و73 هدفاً في كافة المسابقات، ورونالدو كان فعالاً بدوره، وإن بدرجة أقل، حيث سجل 41 هدفاً في «الليغا». لكن هذه الأرقام جاءت بأغلبيتها العظمى في الدوري الإسباني الذي يبتعد فيه برشلونة وريال مدريد بأشواط من خلال المستوى عن الفرق الأخرى، لكن رقم كاسياس في بطولة بحجم كأس أوروبا كان مذهلاً: هدف واحد تلقاه مرماه في 6 مباريات، حيث استطاع «القديس» الحفاظ على نظافة شباكه في 510 دقائق متواصلة.
في المقام الثالث، إذا ما أردنا أن نستعرض أداء الثلاثة في هذا الموسم وتأثيرهم في مجريات الأمور، سواء مع أنديتهم أو مع منتخباتهم، نرى أنه بالرغم من أن ميسي لم يشذ عن قاعدة الإبداع، لكنه في المواقع الحساسة هذا الموسم بدا عديم الفاعلية، وخصوصاً أمام تشلسي الإنكليزي في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا. أما رونالدو، فلا يمكن القول إنه بمفرده حقق لقب الدوري الإسباني لريال مدريد، أضف إلى أنه كان مرة تحت، وأخرى فوق، في كأس أوروبا، وقد سقط تحديداً أمام منتخب كاسياس، وهذه نقطة إضافية لمصلحة الأخير أمام «الدون». أما «القديس»، فلا شك في أنه كان فعالاً جداً ومؤثراً جداً في فوز إسبانيا باللقب القاري، حيث إنه أنقذ بلاده من خروج فاضح أمام كرواتيا في دور المجموعات حين انقض كالأسد على كرة إيفان راكيتيتش الرأسية في الشوط الثاني، ممهداً للفوز. أضف إلى أنه كان حاسماً في ركلات الترجيح أمام البرتغال في نصف النهائي، وكان مذهلاً في النهائي أمام إيطاليا بوقوفه سداً منيعاً أمام هجمات الطليان، حتى ذهب البعض إلى اعتبار أنه كان يستحق جائزة أفضل لاعب في النهائي وأفضل لاعب في البطولة أكثر من زميله أندريس إينييستا.
وبعيداً من كل هذه الأرقام والوقائع، ثمة ما هو أبعد من ذلك في انتقاء أفضل لاعب في العالم من بين هذا الثلاثي، ويمكن تلخيصه بكلمتين: روح اللعبة؛ إذ يبدو من المضر لمتعة المنافسة في كرة القدم أن يقف ميسي لمرة رابعة متتالية على منصة التتويج بالجائزة، وهذا الأمر ينطلق من سن «البرغوث» الصغيرة التي تتيح له تحقيق المجد الشخصي ودخول التاريخ في السنوات المقبلة. وهذا الأمر ينطبق، وإن بدرجة أقل على رونالدو. أما كاسياس فإنه يستأهل انطلاقاً مما حققه هذه السنة وفي مجمل مسيرته الفوز بالجائزة؛ إذ لا يعقل أن لاعباً حمل كأس أوروبا مرتين وكأس العالم مرة وبات اللاعب الوحيد الذي حقق 100 انتصار رسمي مع بلاده وأكثر لاعب مثّل بلاده دولياً بـ 137 مباراة أن لا يفوز بالجائزة، علماً بأن الحارس الألماني الشهير، أوليفر كان، لم يفز بالمونديال عام 2002 وحصل على جائزة أفضل لاعب فيه وحل ثالثاً في العالم في العام نفسه!
نعم، من الجميل أن نشاهد حارساً بعد الروسي ليف ياشين (عام 1963) يحمل الكرة الذهبية. فوز كاسياس بالجائزة إنصاف لمسيرة هذا اللاعب في الملاعب، فقط لا غير.



كامل الأوصاف

فضلاً عن براعته في الميدان، يُعَدّ كاسياس مثالاً للقائد المميز الذي يحسن التعامل مع زملائه. كذلك فهو يتمتع بأخلاق عالية وروح رياضية كبيرة، وهذه النقطة الأخيرة تتجلى بوضوح من خلال صداقته مع شافي هرنانديز لاعب برشلونة، رغم العداوة التاريخية التي تطغى على العلاقة بين النادي الكاتالوني وريال مدريد.