لم يكن حصد المانيا لتسع نقاط في دور المجموعات وليد الصدفة او بفعل الجهد الكبير الذي قام به اللاعبون فقط، فهناك مُخطّط استراتيجي مخيف وراء تلك الهيمنة التي فرضها الالمان في مبارياتهم الثلاث، والتي رفعت من اسهمهم اكثر لاحراز لقب كأس اوروبا 2012 بعدما كانوا قريبين منذ عام 2006 لتحقيق انجاز طال انتظاره وتحديداً منذ 1996 عندما ظفر «المانشافت» بآخر لقبٍ كبير عبر اعتلائه عرش «القارة العجوز» في انكلترا.
وتحديد 2006 اي السنة التي استضافت فيها المانيا نهائيات كأس العالم، وليس 2002 عندما بلغت المباراة النهائية للمونديال الآسيوي، سببه الحديث عن موعد ظهور اول تأثير للمدرب الحالي يواكيم لوف على «منتخب الماكينات». ففي المونديال الالماني لم يكن خفياً على احد ان النهضة التي عرفها «المانشافت» في الاسلوب والاداء كان وراءه المدرب المساعد لوف وليس رأس الجهاز الفني النجم السابق يورغن كلينسمان.
الرجل الأنيق لوف عمل بصمت ووصل الى ما يستحقه اي استلام زمام اهم وظيفة في بلاد ابطال العالم ثلاث مرات، وهو يؤكد بطولة بعد اخرى انه يستحق هذا المنصب، وهذا ما يمكن كشفه من خلال تحليل اداء المنتخب الالماني في دور المجموعات حيث لعب في مجموعة قيل انه قد لا يخرج منها حيّاً بسبب الصعوبات في مواجهة منتخبات قوية مثل البرتغال وهولندا وصيفة بطل العالم والدنمارك.
وما تبيّن هو انه ليس هناك اي امل لأي مدربٍ في هذه المجموعة في مواجهة مدربٍ مثل لوف، اذ ان قراراته التكتيكية وخياراته في تحديد اللاعبين الافضل لتشكيلته التي تعجّ بالمواهب غير الخبيرة على الصعيد الدولي او اذا امكن القول في بطولة بهذا الحجم، كانت حاسمة الى ابعد الحدود. وهنا الحديث مثلاً عن اعتماده على هاملس بدلاً من بير مرتساكر الذي عاش موسماً صعباً بسبب الاصابة، فتحوّل مدافع بوروسيا دورتموند الى احد افضل لاعبي البطولة القارية حتى الآن. كذلك، كان من الصعب على الجمهور الالماني التفكير بمجرد استبعاد الهداف ميروسلاف كلوزه من الحسابات الاولية، لكن «يوغي» كان له رأي مغاير فأراد منح كل الثقة لماريو غوميز الذي يُنتقد كثيراً بسبب اهداره فرصاً اكثر من تسجيله للاهداف. الا ان «سوبر ماريو» ردّ الدين بثلاثة اهداف في ثلاث مباريات. اضف ان كثيرين طالبوا لوف بالدفع بأندريه شورله بدلاً من لوكاس بودولسكي عشية اللقاء امام الدنمارك، الا انه لم يستغن عن «بولدي» فكافأه الاخير بهدفٍ. كذلك توقّع الكل ان يشارك مارسيل شملتزر كظهير أيمن لتعويض غياب جيروم بواتنغ الموقوف، الا ان لوف خرج بفكرة مغايرة تماماً فوضع سفن بندر في مركزٍ لم يشغله من قبل، ليسجل الاخير هدف الفوز في المباراة عينها.
ومن النقاط المهمة ان لوف استطاع تلقين لاعبيه فلسفة الانتظار اي عدم الامتعاض من وجودهم على مقاعد البدلاء، فهناك يجلس حالياً ثلاثة من افضل المواهب الصاعدة في الدوري الالماني اي شورله وماركو رويس وماريو غوتزه، والاخيرين لم يشاركا ابداً حتى الآن. لكن رغم ذلك يظهر ارتباطهم بالموجودين داخل المستطيل الاخضر من خلال احتفالهم بشغف بالاهداف.
اليوم وقبل الموقعة امام اليونان في الدور ربع النهائي، سيكون الحديث حول مدى قدرة المانيا على خربطة الاستراتيجية التي ضرب بها «الاغريق» المنتخب الروسي واطاحوا به خارج البطولة. كذلك سيتحدث الكل عن كيفية امكان «ازاحة الباص المنتظر» (اي لعب اليونان بخطة دفاعية بحتة) الذي يمكن ان يعذّب الالمان في سعيهم للوصول الى الشباك. كل هذه الامور لها حلّ فهناك في المعسكر الالماني يوجد رجل اسمه يواكيم لوف يتمتع بعقل كروي اجرامي يسمح له بتدمير اي مخطّط يستهدف «الماكينات».