عرفت كرة القدم رحيلاً جديداً لأحد أساطيرها بعد ايام قليلة على رحيل الهولندي يوهان كرويف. عاد اسم الإيطالي تشيزاري مالديني الى الواجهة من جديد، لكن هذه المرة من باب الوداع. صباح أمس، أغلق باب النهاية على حياته ومسيرته عن عمر يناهز الـ 84 عاماً. هزمه الهرم بعدما ظلَّ مدافعاً عن مرمى جسمه فترة طويلة، كما دافع عن منتخب بلاده إيطاليا وفرق بطولتها طوال سنين كلاعب ومدرب.
سيعاد تخليد أثره من جديد، بعدما خُلد سابقاً في متحف "سان سيرو" في ميلان. حين أسدل الستار على مسيرته الكروية وضع المتحف التابع لملعب ميلان الذي يضم مجموعة استثنائية من مقتنيات تاريخية وقمصان لعدد من اللاعبين الذين لعبوا لميلان وإنتر ميلانو وآخرين، تماثيل لأساطير الفريقين أبرزهم تشيزاري مالديني وابنه باولو.
عام 1952 بدأ تشيزاري اللعب في ترييستي، المدينة التي ولد فيها عام 1932، مع فريق تريستينا، ثم انضم الى ميلان عام 1954. من هناك بدأ بتحقيق نجاحات ملحوظة ليشارك في 347 مباراة في الدوري الايطالي، ويرفع لقب الدوري 4 مرات. الإنجاز الأكبر مع "الروسونيري" كان حين كتب عهداً جديداً لميلان، تميز بتحقيق إنجاز تاريخي: التتويج بأول كأس للاندية ابطال أوروبا بعد لقاء صعب ضد بنفيكا البرتغالي (2-1) في 22 أيار 1963. صورة القائد تشيزاري وهو يرفع الكأس لا تزال مخلدة في ذاكرة الـ "ميلانيين"، كما هي مخلدة في ملعب ميلان.
يقول تشيزاري عن هذه اللحظة: "لدي ذكريات رائعة ترتبط بهذه البطولة، يجب أن أقول إنه في ذلك الوقت لم أكن أدرك مدى أهمية البطولة، لم يكن عليها أي أنظار على مدى سنوات. وأنا أدرك أن هذه البطولة أصبحت مهمة جداً. لقد تطوّرت بشكلٍ كبير ومهم".
بعدها بثلاث سنوات، انتقل القائد مع قرب موعد اعتزاله الى تورينو، ليختتم مسيرته الكروية لاعباً هناك عام 1967.
لم يمل مالديني من الكرة، وعزم على مهنة التدريب، ليدرب ميلان على فترتين (1972-1974، 2001-2002) وبينهما بارما وفوجيا وترنانا.
على صعيد المنتخبات، بدأ تشيزاري بالعمل مساعداً لإنزو بيرزوت مدرب إيطاليا المتوج بكأس العالم 1982. ثم قاد المنتخب بنفسه في كأس العالم 1998، ليصل به الى الدور ربع النهائي بعدما خسر أمام منتخب فرنسا الذي توّج باللقب. وقتها، سلَّم تشيزاري ابنه باولو شارة القيادة، ليصبح أول مدرب يسلم ابنه هذه المسؤولية في كرة القدم.
مالديني، تلك العائلة التي حفرت اسمها في ذاكرة ميلان وإيطاليا، عرفت وارتبطت لمواسم طويلة بـ "الروسونيري"، محققةً معه انجازات كبيرة.
الى جانب صورة تشيزاري وهو يرفع لقب دوري الأبطال، تستقر صورة باولو أيضاً، وهو يرفع الكأس نفسها. انجازات باولو كانت أكبر من انجازات أبيه، إذ حقق 22 لقباً مع ميلان، ليتفوق على أستاذه - أبيه، حتى وصل الى مرحلة الإعتزال أيضاً.
سيأمل باولو الآن أن يقوم كريستيان، الحفيد الـ "مالديني" الجديد، لاعب ميلان في الفئات العمرية بسحق أرقامهم وانجازاتهما أيضاً، ليعود دائماً ويذكّر بالجد تشيزاري.
بعد المنتخب الإيطالي، أكمل تشيزاري تدريبه للمنتخبات مع الباراغواي في مونديال 2002، قبل اعتزاله الحضور على ارض الملعب، ليستقر في النهاية في استوديوهات التحليل الكروي للدوري الإيطالي حيث امتع ايضاً.
ولعلّ الخاسر الأكبر بعد كرة القدم ومحبيها هو نادي ميلان الذي اختصر الحكاية كلها في بضع كلمات أوجزها لنعي أسطورته: "مالديني هو تاريخنا".