بعد الخماسية التاريخية في مرمى باير ليفركوزن الألماني، في مسابقة دوري أبطال أوروبا، وبعد هدفٍ خرافي آخر سجله في مرمى إشبيلية في نهاية الأسبوع الماضي، أسقط النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي تلك المقارنة التي تسأل عن هوية أفضل لاعب كرة قدم في العالم حالياً. اسم البرتغالي كريستيانو رونالدو لم يعد متداولاً بالشكل الذي كان عليه سابقاً عندما يتم ذكر اسم ميسي في المداولات الكروية، إذ إنه يبدو جليّاً من خلال وسائل الإعلام العالمية أن تألق «البرغوث» الأرجنتيني أخذ بعداً آخر أوسع بكثير، وبات اليوم الحديث عن أنه أفضل لاعب عرفه التاريخ، رغم أنه لا يزال في الـ 24 من العمر. وهذه المعادلة التي طرحت بخجلٍ في فترة سابقة أصبحت عناوين عريضة في الأرجنتين وخارجها، وهي انطلقت تحديداً من باب مقارنة ميسي بمثاله الأعلى دييغو أرماندو مارادونا، وذلك من باب أن الاثنين يحملان الجنسية الأرجنتينية ووُسما بموهبة استثنائية ترسم إبداعاتها قدم يسرى نصّبت دييغو الأفضل في التاريخ بنظر كثيرين، ووضعت ميسي في سنٍ صغيرة في مصاف العظماء.
صحيح أن أوجه الشبه هي كثيرة بين العبقريين، من ارتدائهما القميص الرقم 10 في برشلونة ومنتخب الأرجنتين الى حملهما شارة قيادة «التانغو»، الى تسجيل ميسي هدفاً في مرمى خيتافي نسخة طبق الأصل عن ذاك الهدف الأسطوري الذي سجله مارادونا في مرمى إنكلترا في ربع نهائي مونديال 1986، وهدف آخر بـ«يد الله» أمام إسبانيول كان نموذجاً محدّثاً عن هدف «إل دييغو» امام الإنكليز أيضاً في المباراة المذكورة. إلا أنه أصبح هناك جرأة عند الجميع للقول بأن ميسي هو أفضل من مارادونا في كل شيء، إن من ناحية إحراز الألقاب الكثيرة الفردية والجماعية، أو من حيث السهولة في التسجيل التي طوّرها موسماً بعد آخر، إلى درجة تحوّل فيه إسقاط الكرة من فوق الحارس بمهارة فائقة وهو على بعد أمتار قليلة منه إلى مسألة روتينية، إذ بعد الإسباني مانويل ألمونيا حارس مرمى أرسنال الإنكليزي في الموسم الماضي وغيره من حراس المرمى المساكين، كان الدور على كثيرٍ من الحراس هذا الموسم، وآخرهم كان برند لينو (باير ليفركوزن) وأندريس بالوب (إشبيلية).
واللافت أنه حتى اللاعبين الخصوم باتوا يصفون ميسي بأنه الأفضل في التاريخ، إذ ليلة الخماسية الشهيرة لم يتوانَ واين روني عن الكتابة في صفحته على «تويتر» بأن ميسي هو الأفضل على الإطلاق، بينما كتب الكولومبي راداميل فالكاو مهاجم أتلتيكو مدريد: «عفواً، هل هذه مباراة في دوري الأبطال، أم أن ميسي يلعب بلايستايشن؟».
أحد كتّاب صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، ويدعى سيد لو، ذهب الى أبعد من ذلك عندما اعتبر أن «ميسي لم يعد يلعب للتفوّق على أحدٍ ما، بل بات يلعب للتفوّق على نفسه، إذ يجد أن هناك شيئاً ما لم يفعله فيقوم به».
الأكيد أنه إذا كانت هناك معركة في نفس ميسي لتخطي «أسطورة» مارادونا فإنه يسير بخطى حثيثة لربحها بأشواطٍ عدة، بغض النظر عن عدم تمكنه حتى الآن من حمل الأرجنتين الى تحقيق النصر الأكبر، أي حمل كأس العالم التي رفعها مارادونا عام 1986، لكن يجب التنبّه الى أن الفتى لا يزال في الـ 24، وبالتالي هناك مونديالات عدة أمامه. وفي هذا الإطار، يقول المشككون بإمكان سرقة ميسي العظمة من ملهمه إن «ليو» لا يستطيع حمل المنتخب على أكتافه، على غرار ما فعل «إل بيبي دي أورو» (الولد الذهبي)، وهذا ما يعلّله ماركوس ألونسو زميل مارادونا في «البرسا» بالقول: «كان مارادونا سيفوز بمونديال 1986 حتى لو لعب في صفوف الكاميرون أو نيجيريا».
أما المدرب الأرجنتيني المعروف كارلوس بيانكي فتساءل عن ماهية هذا الجدال، رغم أنه «يبدو واضحاً أن ميسي أفضل من مارادونا وبيليه». ومثله قال النجم البرازيلي السابق توستاو: «ميسي أفضل من مارادونا، فهو كامل أكثر، واستعراضي أكثر، ويقدّم أداءً ثابتاً بشكلٍ أكبر»، مضيفاً: «لديه مشجعون حتى في البرازيل»، في إشارة منه الى تفضيل البرازيليين دائماً لبيليه على مارادونا ضمن صراعهما الأزلي حول هوية الأفضل على مرّ العصور، وهو أمر قد يحسمه ميسي نفسه بالتفوّق عليهما معاً في حال مواصلته النسج على المنوال عينه.
من قال إن من السهل الكتابة عن ليونيل ميسي، فهو فعلاً يخلق مشكلة حتى للصحافيين، وسط الشعور بأنهم يكررون أنفسهم والكلمات عينها في كلّ مرة يصفون فيها إبداعاته. لذا، ربما أصاب غوارديولا حين قال لرجال الصحافة: «لا تكتبوا عنه، لا تحاولوا وصفه. تفرجوا عليه فقط».
فعلاً هو أمر أسهل وأكثر متعة.