5 أشهر غاب فيها عن التهديف، تحديداً منذ المباراة أمام غنك البلجيكي في دور المجموعات من دوري ابطال أوروبا. 25 ساعة صام فيها عن زيارة الشباك. ما هو شعور لاعب، وتحديداً مهاجم، عاد الى التسجيل بعد كل تلك الفترة وهذه المعاناة؟ لمعرفة الجواب الشافي لا بد من التوجه الى الإسباني فرناندو توريس مهاجم تشلسي الانكليزي أو صاحب هذه «الانجازات». «لقد عدت الى الحياة من جديد»، هذا ما قاله «إل نينيو» بعد هدفيه في مرمى ليستر سيتي في ربع نهائي كأس الاتحاد الانكليزي.
جملة تكفي للتعبير عن تأثير هذين الهدفين على معنويات نجم بحجم توريس، مرّ بأسوأ فترات مسيرته في الآونة الأخيرة. جملة تلخص كل ما عاناه هذا المهاجم الأشقر مع فريقه تشلسي منذ انتقاله اليه العام الماضي قادماً من ليفربول.
بالفعل من شاهد مباراة تشلسي وليستر أمكنه بسهولة ملاحظة ان توريس استعاد كثيراً من بريق الماضي القريب. هدفان جميلان بالقدم والرأس، تمريرتان حاسمتان لهدفي العاجي سالومون كالو والبرتغالي راوول ميريليش، تسلُّم مميز للكرة وسرعة في الارتداد من وسط الملعب الى منطقة جزاء الخصم. هذا هو توريس كما عهدناه مع ليفربول ومن قبله مع اتلتيكو مدريد في بلاده.
من الآن فصاعداً بات يصح القول بالنسبة إلى توريس: ما قبل مباراة ليستر وما بعدها. مباراة ليستر ستعلق طويلاً في أذهان «إل نينيو» حتى يمكن اعتبارها بمثابة «مفترق طرق» في مسيرته مع الـ «بلوز»، إذ لا يمكن وصف مدى أهمية هذين الهدفين والأداء الرائع بعد فترة قاحلة تعرّض فيها توريس لأشنع الانتقادات. حملة لم تخل من استهزاء بموهبته التي سطّرها منذ بداية الألفية الجديدة. حملة بدأت فعلياً منذ إضاعته الكرة الشهيرة في المباراة امام مانشستر يونايتد في ذهاب الموسم الحالي من الدوري الانكليزي الممتاز.
حقاً، يُحسب لتوريس أنه بدأ استعادة عافيته رغم كل ما واجهه، إذ لا تكفي انتقادات الصحف له، بل زاد عليها بعض المحيطين به والجمهور ايضاً. وبالحديث عن هذه الأخيرة لدلالاتها الكثيرة يكفي التوقف عند حادثتين. الأولى كانت محرجة فعلاً عندما تبرع أحد المتبرعين لأعمال خيرية في افريقيا في الحفل الذي اقامه زميل توريس، العاجي ديدييه دروغبا، والذي فاز بالجائزة، وهي عبارة عن حضور حصة تدريبية لتشلسي بتلك الأخيرة لتوريس. موقف كان محرجاً ومهيناً لتوريس امام زميله أولاً والرأي العام ثانياً. ثانية الأحداث كان الفيلم الذي تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي وموقع «يوتيوب»، والذي يظهر فيه توريس وهو يسجل هدفاً بمساعدة من طائر اصطدمت به الكرة وسط ذهول الجميع، ليتبيّن بعد ذلك أن كل هذا المشهد ما كان الا عبارة عن حلم راود توريس وهو نائم!
هذا الاستهزاء وقتها زاد من منسوب الضغط على «إل نينيو»، وبدا هذا الامر واضحاً في مباراة برمنغهام، حيث رفض توريس طلب زميله ومواطنه خوان ماتا تنفيذ ركلة الجزاء التي حصل عليها الاول وذلك في بادرة لافتة من الأخير لإعطاء المعنويات لزميله.
لفتة ماتا لم تكن الوحيدة، إذ لا يمكن اغفال أن العديد من الاشخاص وقفوا الى جانب توريس في «محنته» وهذا ما أبقى لديه، دون ادنى شك، الأمل في استعادة مستواه، ونعني هنا على سبيل المثال مواطنيه ايكر كاسياس وسيرجيو راموس وروبرتو سولدادو ورافايل بينيتيز وبيبي راينا، وحتى مدرب المنتخب الوطني فيسنتي دل بوسكي، لم يقصّر في هذا الجانب، رغم استبعاده توريس عن المباراة الودية الاخيرة امام فنزويلا، حيث قال إنه سينتظر «حتى الرمق الأخير» لكي يستعيد «إل نينيو» مستواه قبل كأس أوروبا هذا الصيف.
لكن الأهم من كل ذلك أنّ تسلّم الإيطالي روبرتو دي ماتيو تدريب تشلسي كان بمثابة «الصدمة الإيجابية» على كل اللاعبين، وفي مقدمهم توريس، الذي اشاد اولاً بعد مباراة ليستر بمدربه، والدور الذي أدّاه في اخراجه من أزمته بمنحه الثقة من جديد، علماً ان الأخير لم يتوان عن التصريح بأنه سيساند «إل نينيو» في ما وصفه بـ «أزمته النفسية»، وقد قام دي ماتيو من جانبه بعد المباراة الأخيرة برد الاشادة للاعبه، مشيراً إلى أن «ثقته بنفسه ستزداد على نحو اكبر».
من الجميل فعلاً ان يبدأ توريس باستعادة مستواه السابق. ومن الجميل اكثر أن يحدث ذلك في الوقت المناسب، أي قبل الدخول في الاستحقاق القاري الكبير هذا الصيف. الموعد الآن مع مباراة تشلسي ومانشستر يونايتد غداً في الدوري. لا شك أن الأنظار ستكون موجّهة كلها إلى «إل نينيو».