لا يزال زين الدين زيدان حاضراً بقوة في قلوب الفرنسيين ومحبي اللعب الجميل في كرة القدم. ورغم مرور نحو 6 سنوات على اعتزاله، بقيت لـ«زيــزو» مكانته عند الجميع، كباراً وصغـاراً، اذ إن الــكل يحبونـه. في اليوم الاول من العام الجديد، وكما جرت العادة، اختارت صحيفة «لو ديمانش» الفرنسية أكثر خمسين شخصية لا تزال تؤثر في الشعب الفرنسي. زيدان جاء في المركز الثاني خلف يانيك نواه، لاعب كرة المضرب السابق والمغني الحالي، متقدّماً على رؤساء فرنسا السابقين فرنسوا ميتيران وجاك شيراك والحالي نيكولا ساركوزي الذي جاء في المرتبة 49. من بين لاعبي كرة القدم فإن زيدان تقدم على لوران بلان، زميله السابق في المنتخب ومدرب «الديوك» الحالي، الذي جاء في المركز الـ50. اذاً، زيدان الذي لم يغب عن مسرح كرة القدم من خلال شغله منصب المدير الرياضي في فريق ريال مدريد الاسباني وقبلها مستشاراً لرئيس الأخير فلورنتينو بيريز ومحللاً لقناة «كانال بلوس» ثاني أكثر شخصية مؤثرة في الفرنسيين. لا يمكن المرور على هذا الخبر مرور الكرام. هنا، لا بد من التوقف عند نقاط عديدة. أولاها، كيف ان للاعب كرة ان يتخطى رؤساء جمهورية وكتاباً وفلاسفة وشعراء والى ما هنالك من أسماء كبيرة أثّرت في التاريخ الفرنسي. هذا ان دل على شيء، فإنه يدل على الثقافة السائدة في الغرب. ثقافة تضع الرياضيين في اعلى المراتب. ثقافة تحترم الرياضيين وتمجّد انجازاتهم. الفرنسيون لم ينسوا حتى اللحظة أن «زيزو» هو من زرع الفرحة في البلاد صيف 1998 عندما قاد «الديوك» الى لقب كأس العالم للمرة الاولى في تاريخه بعد تسجيله هدفين حاسمين في مرمى البرازيل. وقتها عاشت فرنسا أحلى ايامها، دموع الفرح كانت في كل مكان، شارع «الشانزيليزيه» الشهير عاش كرنفالاً احتفالياً. في ذلك التاريخ، زاد الانتصار الذي حققه «الديوك» بفضل زيدان من توهج برج إيفيل في ليلة باريسية خالدة.
في 1 كانون الثاني 2012 كان الفرنسيون بتصويتهم لزيدان يستعيدون تلك الذكريات. لا شك مرّت ببالهم صور نجمهم القادم من مرسيليا وهو يخط بأحرف من ذهب مسيرة مظفرة في الملاعب الاوروبية. مرّ في مخيلتهم مشهد تسديدة زيدان المقصية الخيالية في مرمى باير ليفركوزن الالماني عام 2002 في نهائي دوري ابطال أوروبا. لا شك في أنهم تذكروا سريعاً زيدان وهو يراوغ البرازيليين بحرفنة قلّ نظيرها في مونديال 2006 وهو البالغ من العمر 34 عاماً وقتها وفي آخر لحظاته في الملاعب. في ذلك التاريخ كان زيدان معلماً بكل معنى الكلمة. معلماً لجيله وللجيل الذي سبقه والأجيال القادمة. أعطى وقتها «زيزو» دروساً لكيفية أن اللاعب النجم لا يشيخ مهما بلغ من كِبَر.
ثانية النقاط التي يجب التوقف عندها طويلاً هي سبب محبة الجماهير الجنوني لزيدان وبقائه في اذهانهم وقلوبهم كل هذه الفترة رغم اعتزاله. وهنا يمكن القول ان فنيات وابداعات «زيزو» لعبت دورها في هذا المجال بنسبة كبيرة، بيد أن السبب المهم الآخر الذي يقف وراء هذا الأمر هو أخلاق أفضل لاعب في العالم سابقاً. اذ بغض النظر عن «نطحة» زيدان الشهيرة لماركو ماتيراتزي في نهائي مونديال 2006 أمام ايطاليا والتي لها أسبابها ليس أقلها الألفاظ النابية التي وجهها الايطالي للفرنسي (هذا من دون تبرير رد فعل زيدان طبعاً) فإن «زيزو» كان مثالاً للاعب الخلوق والهادئ الذي يتعامل مع المواقف بدرجة احترافية عالية إضافة الى تواضعه المنقطع النظير، وهذا الامر جعله موضع احترام وتقدير كبيرين لدى عشاق كرة القدم.
ثالثة النقاط التي يتوقف عندها المتابع هي تخطي زيدان لبلان في التصويت السابق الذكر رغم ان الأخير يدرب منتخب فرنسا حالياً، وهذا ان دل على شيء فهو يدل على قيمة «زيزو» او بتعبير آخر: أن الفرنسيين ينتظرون على أحرّ من الجمر عودة نجمهم المفضل الى الملاعب لقيادة «الديوك» كما يستعدّ زيدان لذلك من خلال خضوعه لدورات في التدريب الرياضي في احدى الجامعات الفرنسية.
خلاصة القول ان الفرنسيين لم ينسوا زيدان وهم يتحينون عودته بفارغ الصبر. زيدان «أسطورة» بنظر الفرنسيين، لا بل كل العالم.