شتان ما بين لقطة لوكاس بودولسكي وزميله قائد المنتخب الألماني، ميكايل بالاك، في عام 2009 في المباراة أمام ويلز في تصفيات مونديال 2010، ولقطة مواطنَيهما (للمصادفة) بير ميرتساكر، قائد أرسنال الانكليزي (في المباراة امام مانشستر سيتي في الدوري) والنجم مسعود أوزيل السبت الماضي. في اللقطة الاولى وفي الدقيقة 67 من المباراة تقدّم بالاك بصفته القائد ليعطي تعليمات لـ «بولدي» فما كان من الأخير الا أن صفعه على مرآى العالم. اما في اللقطة الثانية، فإن ميرتساكر لم يتوانَ عن التوجه نحو أوزيل عقب المباراة وتوبيخه بشدة رغم نجومية الأخير على مرآى العالم وذلك لأنه لم يتجه لتحية جماهير فريقه بعد الخسارة القاسية 3-6 في ملعب «الاتحاد». اللقطة الأولى ليست إلا تعبيراً عن انحدار في الأخلاق الرياضية لبودولسكي، اما في الثانية فإنها النقيض تماماً، اذ ان ميرتساكر بتوبيخه الشديد لنجم بحجم أوزيل لعدم تحيته الجماهير، أثبت مدى روحه الرياضية العالية. أن يتنبه «ميرتي» لخطأ زميله رغم وقع الخسارة المؤلمة على النفوس فهذه هي الروح الرياضية بعينها. ميرتساكر لم يكن وحده بطل في هذه اللقطة، بل إن أوزيل جاراه في ذلك أيضاً رغم خطئه، الذي عاد واعتذر عنه بعد المباراة لعدم تنبّهه لضرورة تحية الجمهور سواء في الفوز او الخسارة. فألّا يتلفظ أوزيل، رغم مكانته الكروية العالية ونجوميته، بكلمة في وجه ميرتساكر (على عكس ما فعله بودولسكي مع بالاك) فهذا اثبات واضح لانضباطه الكبير وتقديره لردة فعل زميله المحقة رغم حدتها.
لقطة ميرتساكر وأوزيل كانت بالغة التعبير والأهمية وهي انعكاس للوجه الجميل لكرة القدم ومدى المعاني المهمة التي تكتنفها هذه اللعبة، على عكس الصورة التي تظهر بها غالباً من خلال العنصرية المقيتة التي تجد أرضاً خصبة لها في الملاعب، فضلاً عن انعدام الروح الرياضية في الكثير من المناسبات ان بين اللاعبين أو على المدرجات، وهو ما يبذل الاتحاد الدولي لكرة القدم كل ما يستطيع لأن يتحول شعار «الروح الرياضية» من قول يُكتب على يافطة عند الدخول الى الملاعب الى فعل على أرضها.
مشاهد الاشتباكات بين اللاعبين والعنف بين الجماهير والعنصرية لا تعني أن لا مشاهد في كرة القدم على شاكلة مشهد ميرتساكر وأوزيل، وإن كانت قليلة طبعاً.
قبل أيام قليلة من لقطة يوم السبت كان لاعب ألماني آخر يقدم مثالاً للروح الرياضية في الملاعب. حصل ذلك خلال مباراة غروثر فيورث أمام ساندهوسن، في دوري الدرجة الثانية في ألمانيا، عندما سجل فلوريان ترينكس هدفاً بيده لم يتنبّه له الحكم، الا أن اللاعب أشار للأخير بإلغائه لعدم شرعيته، تماماً كما فعل النجم الألماني ميروسلاف كلوزه في الموسم الماضي في المباراة أمام نابولي.
الروح الرياضية تجلت بأبهى حللها أيضاً في كأس أوروبا الأخيرة عندما طلب حارس مرمى منتخب اسبانيا، إيكر كاسياس، من حكم المباراة النهائية امام ايطاليا بإطلاق صافرة نهايتها في الوقت الأصلي وعدم خوض الوقت المحتسب بدل عن الضائع احتراماً لـ«سكوادرا آزورا» الذي كان خاسراً برباعية نظيفة، قائلاً له: «احتراماً للخصم، احتراماً لايطاليا»، على ما روى الحكم لاحقاً. يا لها من لقطة لكاسياس، يا لأخلاقه العالية وروحه الرياضية التي لا مثيل لها!
واذا كان كاسياس المدريدي جميلاً، فإن البرشلونيين كذلك بإمكانهم أن يتباهوا بنجم دفاعهم كارليس بويول الذي لم يتوان عن التقاط قطعة معدنية من يد زميله جيرار بيكيه رميت على الأخير من جماهير ريال مدريد في «كلاسيكو» الكأس بينهما في شباط الماضي في «سانتياغو برنابيو»، وكان الأخير يتجه للسقوط على الأرض و«افتعال قضية» منها طالباً منه اكمال المباراة والتركيز على الخصم، وهذا ما لقي اشادة من صديقة كاسياس، الاعلامية سارة كاربونيرو، بعد المباراة وقتها.
التاريخ أيضاً يحدّثنا عن لقطات، وان كانت نادرة، تجلّت فيها الروح الرياضية رغم حدّة المنافسة، وهذا ما حصل مع الانكليزي روبي فاولر لاعب ليفربول السابق عام 1999 عندما منحه الحكم ركلة جزاء احتسبت ضد ديفيد سيمان حارس أرسنال، فما كان منه الا أن اشار له بأنها غير صحيحة ومن ثم قام بتسديدها بنفسه على نحو اتاح لسيمان صدّها. اما في عام 2007، فقد صفق لاعبو فيورنتينا للاعبي انتر ميلانو بعد مباراتهما في الدوري رغم الخسارة، في حين أن جماهير سلتيك الاسكوتلندي حملت الرقم 29 كتحية للاعب بنفيكا البرتغالي، المجري ميكلاس فيهير الذي توفي في 2004، وذلك رغم مباراة الفريقين المهمة في دوري أبطال أوروبا.
مشاهد كهذه، رغم ندرتها، هي التي تعكس الوجه الجميل لكرة القدم. هي المشاهد التي نحب دوماً أن تتكرر في الملاعب لأنها، بحق، بالغة الأثر في نفوسنا.



فينغر مثال يحتذى به

لا يزال تصرف الفرنسي أرسين فينغر، الذي ينم عن أخلاقه العالية وروحه الرياضية الكبيرة، عام 1999، عالقاً في الأذهان، عندما طالب بإعادة مباراة فريقه أرسنال أمام شيفيلد يونايتد في كأس إنكلترا، برغم فوزه بها، وذلك لأن لاعبيه سجلوا هدفاً من كرة كان ينبغي أن يعيدوها إلى الخصوم، ثم عاد «المدفعجية» وفازوا بالمباراة 2-1.