من تابع المباريات الدولية الأخيرة، وتحديداً الودية، فلا بدّ أنه لاحظ أن فراغات كثيرة ظهرت في مدرجات العديد من الملاعب التي استضافت مباريات جمعت بين منتخبات لها وزنها على الساحة الأوروبية. وهذا الأمر ليس بالجديد على هذا الصعيد، وهو أمر سبق أن تنبّه له الاتحاد الأوروبي للعبة، الذي شرع منذ وصول الفرنسي ميشال بلاتيني إلى سدّة الرئاسة، يبحث عن إيجاد توازنٍ بين الشعبية التي حازتها مسابقات الأندية على الصعيد القاري، وتلك المباريات الخاصة بالمنتخبات الوطنية.
الأمر الأكيد أن المباريات الدولية تحتاج إلى مقاربة أخرى من أجل أن تجذب الانتباه الجماهيري كما جرت عليه العادة في الماضي البعيد، وبالتالي شدّ المزيد من الاستثمارات إلى الاتحادات الوطنية، الأمر الذي من شأنه أن يرفع من مستوى اللعبة عموماً في أوروبا، ويضيّق الهوة بين منتخبات الصف الأول وبقية المنتخبات، وخصوصاً تلك التي تتلقى كمّاً كبيراً من الأهداف خلال تصفيات كأس العالم أو كأس أوروبا.
وما يزيد من سوء الوضع بالنسبة إلى المباريات الدولية، هو عندما تكون وديّة؛ إذ تتقلص أعداد المشجعين الذين يحضرون إلى الملاعب عندما تعمد الأندية إلى سحب نجومها من المنتخبات، بذريعة تعرّضهم للإصابة. من هنا، في ظل انتفاء أهمية المباريات الحبيّة، كان لا بدّ من التفكير بمخرجٍ لإعطائها حجماً أكبر، وذلك انطلاقاً من خلق إطارٍ مختلفٍ لها، وخصوصاً أن «الفيفا» سبق أن تعاون مع الأندية، بحيث لم يعد ينظّم المباريات الدولية أيام السبت والأربعاء، بل حوّلها إلى الجمعة والثلاثاء، فسحاً في المجال أمام اللاعبين، وتحديداً أولئك الذين يسافرون لمسافات طويلة، وذلك لاستعادة حضورهم البدني قبل استئنافهم نشاطهم مع أنديتهم.
ولا يخفى أن بلاتيني تنبّه إلى هذه المشكلة منذ فترة ليست بقصيرة، فكان توجهه إلى ربط أكبر قدرٍ ممكن من البلدان الأوروبية بالمباريات الدولية بهدف زيادة شعبيتها، فكانت الخطوة الأولى عبر رفع عدد المنتخبات المشاركة في كأس أوروبا من 16 إلى 24 منتخباً ابتداءً من نسخة 2016 التي ستستضيفها فرنسا. أضف إقرار «يويفا» تنظيم كأس أوروبا 2020 في 13 بلداً، ثم تفكيره في توزيع المباريات الدولية على كافة أيام الأسبوع ولمدة ستة أيام متتالية.
الخطوتان الأولى والثانية ستجذبان من دون شك الرعاة من مختلف بلدان «القارة العجوز»، ما ينشّط الدورة المالية في الكرة الأوروبية. أما الخطوة الثالثة، فمن شأنها زيادة العائدات جراء النقل التلفزيوني الذي سيتضاعف عند مواعيد المباريات الدولية، وخصوصاً في ظل فراغ دورة البرامج في التلفزيونات من أي نشاطٍ كروي، في ظل توقف مسابقات الأندية محلياً وقارياً خلال نشاط المنتخبات.
وانطلاقاً من هذا الأمر، يمكن التأكيد أن بطولة كأس أوروبا ستسرق الأضواء من بطولة كأس العالم على صعيد الاهتمام، وخصوصاً أن مستواها سيفوق الأخيرة انطلاقاً من مشاركة منتخبات أوروبية دون سواها بعكس المونديال الذي يضم أحياناً منتخبات متواضعة المستوى من قاراتٍ أخرى. وهذه النقطة ستزعج «الفيفا» كثيراً، وخصوصاً مع حديث البعض عن عدم ممانعة دعوة منتخبات كبيرة من خارج أوروبا للمشاركة في بطولتها، على غرار ما كان يحصل في «كوبا أميركا» التي شهدت سابقاً مشاركات لمنتخبات كثيرة قادمة من خارج القارة اللاتينية.
لكن ماذا عن معضلة المباريات الودية؟ الحلّ بسيط: «يويفا» يفكّر اليوم في إنشاء بطولات دوري خاصة بالمنتخبات تقسّم إلى درجات، على أن يكون هناك صعود وهبوط، ما يعطي صبغة تنافسية تجبر الجماهير والنجوم على عدم تجاهل أي مباراة.

يمكنكم متابعة شربل كريم عبر تويتر | @charbel_krayem