الأكيد أن الرياضة اللبنانية بمختلف ألعابها لم تشهد تجاذباً يشبه ما حصل في قضية انتخابات نادي الحكمة. والأكيد أيضاً أن أي انتخابات تخصّ اتحادات أو أندية لم تشهد «ألعاباً» يمكن وضعها في خانة ما حصل قبل الانتخابات الحكماوية وخلالها. أيضاً وأيضاً، المشهد الاستثنائي الذي كان صباح أمس في الأشرفية، لم تعرفه أي انتخابات رياضية، إذ ببساطة وبشكلٍ مثير للدهشة أجريت العملية الانتخابية على الطريق!
فعلاً، كان صباح المفاجآت الذي بدأ من محيط المقر القديم لنادي الحكمة حيث انتشرت القوى الأمنية من عناصر الجيش اللبناني والأمن الداخلي بكثرة، إلى درجة بدا فيها الأمر وكأنهم قَدِموا لتأمين انتخابات نيابية، إذ إن أعدادهم فاقت بكثير الأعضاء الـ 29 الذين انتخبوا لجنة إدارية جديدة.

المفاجأة الثانية، كانت ببقاء ذاك الباب الخشبي الأخضر العتيق مقفلاً من دون أن يتمكن أحدٌ من عبوره بسبب تغيير أقفاله في خطوة واضحة لمنع انعقاد الجمعية العمومية، لكن هذا الأمر لم يحل دون إجراء الانتخابات «على البََرَكة» في الباحة الخارجية برئاسة أكبر الأعضاء سنّاً فؤاد لطيف، وأسفرت عن فوز إيلي مشنف (26 صوتاً)، سامي برباري (26 صوتاً)، نديم حكيم، جوزف عبد المسيح، جوزف نعمة، لبيب شبلي والمحامي جان حشاش (25 صوتاً)، ونال كلّ من المرشحين ميشال خوري، مارون غالب، إيلي رشدان وسمير نجم 3 أصوات. أما الزميل إيلي نصار الذي كان على لائحة مشنتف، فقد أعلن انسحابه علناً تماشياً مع طلب التيار الوطني الحرّ عدم التدخل في الانتخابات على حدّ قوله.
أما المفاجأة الثالثة والمدوّية، فكانت عقب العملية الانتخابية، حيث بدا أن أي ظرف لن يحول دون تنفيذ الطرف الفائز في الصراع الحاصل للسيناريو الذي رسمه، وتمّ الاتفاق عليه قبل وصوله الى الأشرفية، فانتقل الكلّ الى تنفيذ الخطوة الأخيرة من المخطّط الموضوع، فجلس مشنتف وبرباري ونعمة وشبلي وحشاش على طاولة فقيرة، يعلوها غطاء قديم مزيّن بالورود، فقدّموا باقتهم الخاصة عبر مبادرة توزيع المناصب، حيث أجمعوا على رئاسة حكيم للنادي، على أن يكون كلّ من مشنتف وبرباري نائبَين له، كما سمّوا عبد المسيح لأمانة السر، وحشاش أميناً عاماً بالتكليف، وشبلي أميناً للصندوق ونعمة عضواً مستشاراً.
لا شك في أن السيناريو الذي يشبه ذاك الذي تقدّمه الأفلام لم يكن متوقعاً على الإطلاق، وخصوصاً أن الكل اعتقد في الآونة الأخيرة أن مشنتف وحشاش يحاربان من أجل منصبَي الرئاسة وأمانة السر دون سواهما، ما أصاب الطرف الخاسر بالإرباك، وربما حكيم وعبد المسيح أيضاً، وهما اللذان كانا قد أصدرا بياناً (والمرشحة ندين زخور) يوم السبت اعتبرا فيه أن استقالة اللجنة الثلاثية المكلّفة من وزارة الشباب والرياضة الإشراف على الانتخابات «أفقدت جلسة الانتخاب المقررة الأحد شرعيتها وقانونيتها، وبالتالي لا نجد أنفسنا مشاركين في جلسة غير قانونية وغير شرعية».


حكيم غير معنيّ بالانتخابات

الحديث مع حكيم يعكس أجواء إيجابية ولو أن الرئيس الجديد وأمين السر السابق يقول إنه غير معني بالانتخابات التي حصلت طالما أن إفادة من الوزارة لم تصدر لشرعنة اللجنة الإدارية المنتخبة. لكن ما يمكن لمسه أن الرجل قد يكون راضياً بنسبة كبيرة عمّا حصل، لكنه لا يريد أن يكون طرفاً، وبالتالي جاء موقفه الأخير بناءً على هذا الأمر، وربما لأنه يرى في ما حصل سقوطاً للتوافق المزمع. ويؤكد حكيم في حديثٍ مع «الأخبار» أنه لا يريد أن يكون في قلب أي دعوى قضائية «بل سننتظر شرعنة الانتخابات ومباركة المطران لنتصرف»، خاتماً في تعليقه على إقفال أبواب النادي «عيب، فما حصل لا يليق أبداً باسم الحكمة».


قانونية العملية الانتخابية

وعلى غرار ما تكون عليه العادة في غالبية الانتخابات التي تعقب أي صراع، يسارع الخاسرون الى التوعّد بالطعن، وهذا ما أشارت إليه الأجواء فعلاً أمس. فإذا لعبها مشنتف وفريقه بذكاء لتحييد الأعضاء الـ 101 المنتسبين حديثاً عن العملية الانتخابية لعدم الإفساح في المجال لأي طعنٍ، فإن الطرف الخاسر رأى أنه بعد استقالة لجنة الإشراف التي وقّعت على محضرين سابقين للجمعية العمومية كان من المفترض أن ترسل الوزارة مندوباً للإشراف على الانتخابات، وهو أمر لم يحصل. ويذهب التفسير الى أنه صحيح أن الوزارة ليست ملزمة بإيفاد مندوب الى انتخابات الأندية، لكنها في هذه الحالة هي التي دعت الجمعية العمومية عبر لجنة الإشراف، ولم تكن الدعوة من قبل اللجنة الإدارية.
ويؤكد المدير العام لوزارة الشباب والرياضة زيد خيامي أن الوزارة لا توفد مندوبين عنها عادة الى انتخابات الأندية «فهو ليس بالأمر الضروري، لكن علينا الآن انتظار محضر جلسة الانتخاب والبحث في أسباب استقالة اللجنة الثلاثية، ثم يمكننا الحديث عن الوضع القانوني للانتخابات، وذلك قبل إصدار الإفادة التي تستغرق 24 ساعة عادة».
وإذ شنّ القيادي في القوات اللبنانية عماد واكيم هجوماً مسبقاً على الوزارة في حديثٍ إذاعي، معتبراً أنه «لا يمكن أن تعترف بالانتخابات إلا إذا تدخلت السياسة عبر الوزير في حكومة تصريف الأعمال فيصل كرامي»، لافتاً إلى أن «الوزارة لم ترسل مندوباً عنها لأنها لو قامت بذلك لكانت المعركة سياسيّة وكنا لنواجهها في القضاء»، فإن الرئيس الأسبق ميشال خوري أكد لـ«الأخبار» أنه لن يطعن بنتيجة الانتخابات لأنه لا يفترض إثقال كاهل النادي بالمزيد من الدعاوى، متمنياً على زملائه عدم الذهاب الى هذا الخيار. واللافت أن خوري لا يمانع بقاء قيادة حكيم وعبد المسيح للنادي «لكنني لن أتنازل عن الدعوى التي رفعتها أيام كان الأول أميناً للسرّ في النادي، إلا في حال إسقاط كل الدعاوى القضائية».

«تريبل دابل» للكابتن مشنتف

ويمكن اعتبار أن مشنتف لعبها صَح، فهو كان أشبه بلاعبٍ حقق «تريبل دابل» (ثلاثية مزدوجة)، إذ لم ينكفئ أمام مناوئيه عبر الخضوع لشروطهم، ولم يخرج من اللجنة الإدارية، وبرهن عن حسن نيّة بأنه ليس باللاهث وراء المناصب. هذا ما يقوله «الكابتن» الذي يصف اللجنة المنتخبة بأنها الأفضل منذ سنوات طويلة «فهي تضمّ حكماويين أصيلين وشخصين كفوءَين نحن بحاجة إليهما هما نديم وجو». وأضاف: «الحكماويون يقررون من يريدون لإدارة ناديهم لا عماد واكيم أو شفيق الخازن».
المفاجأة الأخيرة يوم أمس كانت عبر ما كشفه مشنتف لـ«الأخبار» بأنه يمدّ يده للجميع، وأولهم الطرف الآخر ومدرب فريق كرة السلة فؤاد أبو شقرا بغية عدم تدمير الفريق، داعياً الأخير إلى إظهار انتمائه الحقيقي للنادي، ومطلقاً مبادرة باتجاه اللاعبين أيضاً بأنه لا يفترض بهم أن ينصتوا الى أي أحد، بل أن يستفيدوا من الشرف الممنوح لهم، والذي يتمثّل بارتدائهم القميص الذي سبق أن دافع عنه أبرز نجوم السلة اللبنانية.



يمكنكم متابعة شربل كريم عبر تويتر | @charbel_krayem




أبو شقرا خارج الحكمة

وجود إيلي مشنتف في اللجنة الإدارية يعني تلقائياً خروج فؤاد أبو شقرا ولاعبيه من النادي. هذا ما أكده مدرب الحكمة أمس لـ«الأخبار»، متسائلاً: «ماذا لديه مشنتف للجلوس والتفاوض معه، فهو ليس المموّل؟». وتابع: «لا أرى أصلاً رؤية عند هذه الادارة حيث لا أتوقّع استقراراً، بل كان الافضل السير بمبادرة المطران بولس مطر التي من شأنها إسقاط كل الدعاوى». وأشار أبو شقرا الى أنه ليس له علاقة بالسياسة وبتسجيل الاهداف الحاصل بين الطرفين المتصارعين، متوقعاً دعاوى جديدة قد تؤدي الى تجميد النادي مجدداً. ويؤكد أن قرار ترك الحكمة ليس ردّ فعل على الانتخابات، بل إن لديه ثلاثة عروض سيبدأ بدراستها، ولاعبوه يفضّلون العمل معه.




بانتظار مباركة المطران

أكد زياد عبس أنه اتصل بالمطران مطر الموجود في الخارج، وقد رأى الاخير أن ما حصل هو حراك قد يؤدي الى تصحيح الامور، وخصوصاً أن الفريق الفائز لم يستأثر باللجنة الادارية، لكنه تريث في منح مباركته بانتظار إفادة الوزارة.