«عليك ان تتعلم لعب الكرة بنفس الطريقة التي لعب فيها روجيه فيديرر وبيورن بورغ كرة المضرب اي بكل برودة». كلمات قالها رجلٌ قد لا يعرف كثيرون من المتابعين اسمه، هو الهولندي رينيه مويلنستين الذي كان ضمن الجهاز الفني لفريق مانشستر يونايتد الانكليزي عندما كان كريستيانو رونالدو لاعباً في صفوف «الشياطين الحمر».
هذه الكلمات كانت موجّهة الى شاب ثائر بدا حاقداً على جميع منافسيه ومتعجرفاً الى حدٍّ كبير. هذا الشاب كان كريستيانو رونالدو، وهذه الكلمات كانت منعطفاً في مسيرته التي تصبح اغنى مع مرور كل يومٍ ينضج فيه النجم البرتغالي السائر نحو اسكات اي منتقدٍ لادائه او اسلوب لعبه، فهو من دون مبالغة قريب جداً اليوم من درجة الكمال في كرة القدم.
صحيح ان النجوم كثرٌ حالياً في عالم المستديرة، لكن ليس هناك اي احد بمزايا رونالدو او بالتطوّر الكبير الذي يصيب مستواه في كل اسبوع، اذ حتى الارجنتيني ليونيل ميسي والفرنسي فرانك ريبيري والسويدي زلاتان ابراهيموفيتش الذين مرّوا ويمرّون بأفضل فتراتهم، يعيشون مراحل صعود وهبوط في المستوى، لكن ليس رونالدو الذي يصعب حالياً توقّع اين سيصل اذا ما اكمل على هذا النحو في الموسم الحالي.
التشريح الفني الذي يلي مراقبة «الصاروخ» عن كثب لمباريات عدة يُظهر انه لديه اصرار اكثر من اي وقتٍ مضى ليثبت انه الافضل في العالم. ومن هذا الاصرار يبدأ كل شيء، اذ بات رونالدو اكثر التزاماً بالتعليمات التكتيكية لمدربيه، وبات اكثر تفهماً لخياراتهم على صعيد الادوار داخل ارض الملعب حيث لا يمكنه ان يكون الـ «وان مان شو» في كل المباريات. رونالدو تخلّص ايضاً من انانيته، اذ من النادر رؤيته حالياً محتكراً للكرة ورافضاً لتمريرها الى زميلٍ يقف في وضعٍ مريحٍ للتسجيل. اضف ان قراراته بمجملها صحيحة هذه الايام، ان كان في التسديد او التمركز، وما يساعده اكثر ان لياقته البدنية في القمّة، ما يزيد من سرعته وقدرة تحمّله وفعاليته على حدٍّ سواء.
والاهم من كل هذه الامور هي شخصية رونالدو حالياً، التي تبرز فيها النزعة الدائمة الى الفوز، ولو ان تلك العجرفة لا تزال عنده، فهو اذ تخلى عن تلك الحركة الاحتفالية حيث يفتح يديه عقب تسجيله الهدف وكأنه يقدّم نفسه على اساس انه لا يمكن احد ان يفعل ما فعلت او ان يسجل بهذه الطريقة، فان احتفاله شبه الدائم باشارة «انا هنا» يظهر ان البرتغالي لا يمكنه التخلص مما يمكن ان يعتبره محبوه كبرياء اكثر منه عجرفة.
ببساطة، رونالدو مجروح، هو كالأسد الجريح الآن، يريد الانقضاض على الكل، يريد اسكات كل مشكّك قال بأنه ليس الافضل على وجه الارض. هو يستخدم كل ما يملكه من تقنيات ومهارات وتسديدات وتمريرات، فبات يلعب احياناً من لمسة واحدة لينطلق بعدها الى الامام منتظراً الكرة لتصل اليه من جديد، وليهمّ بتفجيرها داخل الشباك.
قد يكون ما قاله رئيس الاتحاد الدولي السويسري جوزف بلاتر، والحبر الذي سال في الصحف حول العالم، بأن رونالدو بعيد من دائرة المرشحين الاقوياء للفوز بالكرة الذهبية كأفضل لاعب لسنة 2013، هو وراء الدافع الذي اخرج الوحش من داخل «سي آر 7»، فهو يضع نفسه تحت الاضواء بشكلٍ غير اعتيادي وبطريقة لم يعهدها الجمهور المدريدي، فالأهم بالنسبة اليه ليست الطريقة بل تسجيل الاهداف وما اكثرها.
رونالدو اليوم غيره رونالدو الأمس، اذ منذ وصوله الى ريال مدريد عاش ضغوطات كبيرة حيث نظر اليه الكلّ بأنه المخلّص المنتظر، بينما هو كان ينظر الى نفسه ويبحث عن حياة كروية مستقرة بأفضل صورة ممكنة. وهنا الحديث عن اهتمام رونالدو سابقاً بتسجيل الاهداف الجميلة فقط، ولهذا السبب كان يقضي ساعات طويلة في التمارين ليتدرّب على الكرات الهوائية والركلات الحرة. اليوم لم يعد يهمه شكل الهدف بقدر عدد الاهداف التي يسجلها. هو خرج من خيبة رحيل ساعده الايمن الالماني مسعود أوزيل الذي كان يمدّه بالتمريرات الحاسمة في غالبية المباريات. وخرج ايضاً من الضجة التي ازعجته مع وصول الويلزي غاريث بايل الى ريال مدريد، ليقول للمحيطين به والبعيدين عنه بأنه لا يمكن احداً ان يقلّص من لمعانه.
قد لا يكون ظلماً منح رونالدو الكرة الذهبية، اذ بطبيعة الحال هناك معايير عدة لا تقف في صالح كابتن منتخب البرتغال، استناداً الى ما حققه فريقه في الموسم الماضي مقارنة بما اقدم عليه ريبيري مع بايرن ميونيخ الالماني مثلاً. لكن لا يمكن اسقاط عنوانٍ اساسي في كرة القدم حالياً وهو ان لا احد مثل كريستيانو رونالدو في الفترة الحالية.


يمكنكم متابعة شربل كريم عبر تويتر | @charbel_krayem




من خارج هذا العالم

بعد تسجيل كريستيانو رونالدو الـ «هاتريك» الرقم 19 له في «الليغا»، السبت امام ريال سوسييداد (5-1)، اعتبر مدرب ريال مدريد كارلو أنشيلوتي انه ليس هناك اي كلمات يمكنها ان تصف هداف فريقه، الذي يبدو من خارج هذا العالم حالياً. واضاف انشيلوتي: «هو يلعب باصرار غير طبيعي الآن، ويسجّل الكثير من الاهداف المهمة للفريق».