لندن 29/10/2013. المكان: ملعب «الإمارات». المناسبة: مباراة أرسنال وتشلسي في الدور الرابع لكأس رابطة الأندية الإنكليزية المحترفة. البطل: البرتغالي جوزيه مورينيو. نعم، عند نهاية هذه المباراة لم يكن ثمة بطل غير مورينيو. بطولة «السبيشيل وان» لم تكن فنية بقيادته «البلوز» الى ربع النهائي في عقر دار غريمه، بل كانت معنوية، فيها الكثير من صدق هذا الرجل في مشاعره وأحاسيسه عندما توجه الى لاعبه السابق في ريال مدريد الاسباني، نجم «الغانرز» الألماني مسعود أوزيل، واحتضنه بقوة وحصل منه على قميصه كهدية تذكارية. يا لهذا المدرب! لا ينسى أدق التفاصيل، فبدل أن يحتفل في ملعب «الامارات» ويستفز خصومه اللدودين في عقر دارهم، اذا به يلوح لجماهير فريقه وهو يحمل قميص لاعب خصم لدود. كم كان مشهد مورينيو رائعاً في ملعب «الإمارات» ليلة أول من أمس. مشهد يحكي عن مكنونات مدرب لم يعان أي مدرب آخر في التاريخ ما عاناه من انتقادات وتهجم واستفزازات وتشكيك بقدراته ووصفه بـ«المتعجرف» و«المتسلط»، كما عاناه هو. لكن حقيقة هذا الرجل الذي بدأ من الصفر كمترجم في برشلونة ليغدو أحد أهم المدربين في العالم في السنوات الأخيرة، هي غير ذلك كلياً.
بطبيعة الحال، ليست تصريحات لاعبين سابقين كثر أشرف عليهم «الداهية» أشادوا فيها بمورينيو بعد أن أصبحوا تحت قيادة مدربين آخرين كالايطالي ماركو ماتيراتزي الذي وصف البرتغالي بأنه «أستاذي» أو الهولندي ويسلي سنايدر الذي وصفه بأنه «أبي»، على سبيل المثال، ومحبة النسبة الأكبر من اللاعبين الذين أشرف عليهم له، هي التي تظهر الوجه الحقيقي لشخصية مورينيو، بل إن لقطات كثيرة كلقطة «ملعب الامارات» تعكس ذلك.
ما يميز مورينيو هي عفويته وصدقه في التعبير عن أحاسيسه، وهذا بالضبط ما يُظهر لنا حقيقة شخصيته التي لا ينفك يثار حولها جدل كبير. ولكي لا نذهب بعيداً، فها هي مباراة تشلسي ومانشستر سيتي، الأحد الماضي في الدوري الانكليزي الممتاز، تؤكد لنا ذلك، عندما انطلق مورينيو بعفويته المعهودة نحو جماهير فريقه بعد تسجيل الاسباني فرناندو توريس هدف الفوز لـ «البلوز» في الثواني الأخيرة وراح يحتفل معهم ويحتضنهم كطفل يفرح لفوز فريقه المفضل.
كثيرون يرون في مورينيو بأنه «مدرب متعال»، حسناً، لكن الحُكم على الشخص لا يكون في لحظة غضب هنا أو استفزاز من هناك قد أخرجت الرجل عن طوره، بل في الأفعال، وهاكم مثلاً قصة مورينيو في شهر شباط من العام الماضي، مع أبل رودريغيز، عامل النظافة المكسيكي الذي كان يتطوع لجمع الكرات لريال مدريد خلال الحصص التدريبية للملكي في كاليفورنيا. فقد تذكر «الداهية» سريعاً هذا الرجل عندما شاهده خارج ملعب تدريبات ريال «فالديبيباس» في مدريد التي قصدها من الولايات المتحدة لحضور «ال كلاسيكو» ولم يكن يملك المال الكافي لفعل ذلك. رق قلب «مو» للمكسيكي وما كان منه الا أن حجز له غرفة في الفندق الذي يقيم فيه لاعبو الملكي وابتاع له بطاقة في مقصورة ملعب «سانتياغو برنابيو»، وأكثر من ذلك فقد اصطحبه معه الى مانشستر للمباراة أمام يونايتد في دوري أبطال أوروبا ومنحه قمصان بعض نجوم الفريق.
العبرة في هذه القصة ليست في ما قدمه «مو» لهذا الفقير المكسيكي، بل مجرد ان رجلاً كمورينيو، ذو شهرة عالمية ويصافح يومياً عشرات أصحاب الياقات البيضاء ويتناول عشاءه يومياً في أشهر الفنادق ويسافر في أفخم الطائرات، يتذكر وجه عامل نظافة طبع في ذاكرته، فهذا بحد ذاته يظهر كم انه رجل متواضع. كم أنه، بحق، يستأهل، كشخص قبل أن يكون مدرباً، صفته الشهيرة... «المميز».