لم يكن الهدف الثالث لأرسنال الذي سجله النجم الويلزي أرون رامسي في المباراة أمام نوريتش سيتي عادياً، إذ إن هذا اللاعب الموهوب استعرض مهارته الكبيرة على نحو رائع عندما تلاعب بمدافعَين من الفريق الخصم بهدوء تام ينم عن مدى موهبة هذا اللاعب، وبالكيفية عينها أسكن الكرة في الشباك. لكن الآهات في ملعب «الإمارات» وخلف الشاشات في العالم أجمع لم ينتزعها هذا الهدف، اذ ان الدقيقة 18 من المباراة حملت العجب العجاب وتجسد فيها السحر بكامل أناقته، وهاكم اللقطة: الكرة تنطلق من قدم كيران غيبس الذي يمررها للعائد من الإصابة سانتي كازورلا لينطلق بها الأخير بسرعته المعهودة ويسلمها الى النشيط جاك ويلشير فيعيدها الأخير الى الاسباني الذي يمررها الى المهاجم أوليفيه جيرو فيلعبها الفرنسي بكعب حذائه الى ويلشير، فيعيدها اليه الأخير بتمريرة بالكعب أيضاً، ليعود جيرو ويسلمه الكرة بتمريرة بينية فيتابعها ويلشير بلمسة واحدة في الشباك. انتهت اللقطة الخيالية. نعم، كانت خيالية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لا شك في أن كل من تابع هذه اللقطة في العالم أجمع لم يجد نفسه إلا وهو يقف مصفقاً لها. لا شك بأن السؤال كان مشتركاً لحظتها: هل هذه كرة قدم أو معزوفة موسيقية. هل كانت أقدام لاعبي أرسنال تتناقل الكرة أو ترسم لوحة فنية؟ لا كلام، بدون مبالغة، يمكن ان يصف مدى روعة هذه اللقطة، فببساطة لقد شاهد العالم أحد أجمل الأهداف الجماعية ليس في تاريخ الأرسنال بل، بحق، في تاريخ كرة القدم.
في حقيقة الأمر، لا يمكن وضع هذا الهدف في خانة الحظ او التوفيق، فحتى إن الهدف الثاني الذي سجله النجم الألماني مسعود أوزيل برأسه كان من تناقل سريع للكرات، وكذا هدف اللاعب عينه الثاني والرابع لفريقه كان من سلسلة تمريرات متقنة، وهكذا هي الحال مع كثير من الأهداف التي يسجلها أرسنال، وبالتالي فإن هذا يقودنا الى مدى نجاح الأسلوب الذي ينتهجه المدرب الفرنسي أرسين فينغر والمستلهم من المدرسة الاسبانية، وبالتحديد من مدرسة برشلونة الرائدة في هذا المجال الذي تجسد بأسلوب الـ«تيكي تاكا». ففريق «المدفعجية» يظهر مباراة إثر أخرى أنه خرج بالكامل من «العباءة الانكليزية» التي تعتمد على القوة البدنية فقط لينحو نحو الجمالية في الأداء. وإذا كان قدوم أوزيل قد فعل فعلته طبعاً في هذا التغير لما يختزنه من سحر وقدرة حتى على التحرك المثمر من دون كرة، وهذا ما يربك دفاعات الخصوم ويسهل من مهمة زملائه، إلا أن تطور أداء رامسي وثبات مستوى ويلشير أسهما كذلك في اكتمال المشهد الجميل لأرسنال. ولا شك أيضاً بأن عودة كازورلا زادت من منسوب الجمالية والسرعة، فضلاً عن وجود أوراق على دكة البدلاء تتناسب مع هذا النسق وفي مقدمها التشيكي توماس روزيسكي.
في الواقع، فإن وجود رباعي مثل أوزيل ورامسي وويلشير وكازورلا في وسط ميدان أرسنال يفتح الأفق واسعاً أمام أيام خيالية كثيرة مقبلة على ملعب «الإمارات»، اذ بوجود هكذا لاعبين فإن «الغانرز» قادر على العودة الى منصات التتويج من أوسع الأبواب، لكن الأهم من ذلك أن أرسنال يبدو، في الوقت الحالي، بفضل هؤلاء اللاعبين، الفريق الذي يقدّم الكرة الجماعية الأكثر فعالية وجمالاً في الدوري الإنكليزي وحتى إنه من الأفضل في أوروبا في هذا الإطار بعد بايرن ميونيخ وبوروسيا دورتموند الألمانيين وبرشلونة الإسباني.
باختصار، أرسنال هو، عن جدارة واستحقاق، فاكهة الكرة الانكليزية حالياً.