دقيق الملاحظة الى أبعد الحدود هو من يمرّ الى جانب ملاعب قصقص وينتبه الى أن مجموعة اللاعبين الموجودين هناك هم لاعبو فريق الحكمة لكرة القدم. المتوقف لمتابعة ما يجري ومراقبة المجموعة التي تتناقل الكرات أو تجري خلفها يظن أنها شلّة من الاصدقاء الذين قدِموا لممارسة هوايتهم المفضلة، إذ لا يرتدي أي منهم قميصاً بلون قميص لاعبٍ آخر أو القميص نفسه. هكذا أصبح فريق الحكمة الذي كان أمثولة في التنظيم وفي هندامه، إن كان في التمارين أو في المباريات، فريقاً لا يشبه ذاك الذي وقف ندّاً لأقوى الفرق في الدرجة الاولى وكاد يخطف اللقب موسم 2000-2001 قبل أن تخونه قدراته في المباراة الأخيرة امام النجمة الذي توّج بطلاً للبنان عامذاك.
ويكتمل المشهد البصري المأسوي مع ما يلتقطه السمع، إذ هناك لاعب يسأل زميله عمّا إذا كان قد اشترى بعض قارورات المياه وجلبها معه الى الحصة التدريبية!
فعلاً، يبدو محرجاً سؤال المسؤولين عن الفريق عما دخل الى الأذن، إذ إن المشهد كلّه على بعضه يشبه ما تلتقطه الكاميرات وتنقله الينا من ملاعب أكثر بلدان العالم الفقيرة كروياً.
لكن قد يقول البعض إن الامور ليست بهذا السوء، لأن من يتابع الاحداث المتلاحقة في نادي الحكمة ويعرف وضع الحسابات التي وضعها المسؤولون المتعاقبون على النادي الذين أعطوا فتات ما تبقى من الاموال المخصصة لكرة السلة الى فريق كرة القدم، يرى أن على محبي الفريق الكروي في النادي أن يسجدوا شاكرين لبقاء ما يمكن إطلاق فريق كرة القدم عليه، والذي يشرف عليه ثلاثة أشخاص حالياً هم المسؤول عن الفريق سمير نجم والمدير الفني سهاد زهران والمدرب ــ اللاعب فؤاد حجازي.
أما مكان التمارين فلم يعد ما كان منتظراً أن يصبح مدينة رياضية للحكمة في عين نجم حيث تحوّل الملعب الواقع في الوادي الطبيعي الجميل الى حقلٍ نمت فيه الاعشاب البريّة على أنواعها، وأضحى الفريق مشرّداً في الملاعب التي يمكن أن تقدّم له المعونة، أي السماح له بالتدرّب من دون أي مقابل، فكانت التحضيرات البدنية على مضمار ملعب بيروت البلدي من دون الدخول الى المستطيل الاخضر، لتتحول التمارين بالكرة الى ملاعب قصقص.
ورغم وجود 7 لاعبين جاهزين للتوقيع بينهم أسماء محلية معروفة، فان هذا الامر يصعب حصوله لسببين أساسيين. السبب الاول هو مادي بامتياز، إذ بغياب الاموال يبدو مستحيلاً إقناع أي لاعب بالانضمام الى الفريق، وهو أمر لا شك في أنه سيشكل ضربة للحكمة في حال استمرار الامور على حالها، وخصوصاً أن باب التواقيع يقفل الثلاثاء المقبل، أي قبل 72 ساعة على انطلاق بطولة الدرجة الثانية. وهنا يمكن اعتبار أنه في ظل وجود الغالبية الساحقة من أفراد التشكيلة التي نافست للصعود في الموسم الماضي (تمّ الاستغناء عن جعفر أبو طعام والمصري أحمد جرادي والفلسطيني يوسف مزيان)، ومع تعزيزات بسيطة يمكن الفريق أن يستعيد مكانه في دوري الاضواء. أما في حال بقاء حالة الاهمال التي يعانيها، فإن الهبوط قد يكون بانتظاره، وخصوصاً أن 14 فريقاً يشاركون هذا الموسم في البطولة، على أن يهبط 4 منها الى الدرجة الثالثة بعد نهاية الدوري المنتظم.
وفي حال الوصول الى حلٍّ وتأمين المبلغ المالي للبدء بالعمل ومقداره حوالى 25 الف دولار فقط، قد يتكفّل بها الرئيس السابق هنري شلهوب بعد اجتماعه بنجم أمس، يبرز السبب الثاني، وهو قانوني، إذ يمكن السؤال عن هوية الذي سيوقّع على الاوراق اللازمة لتقديمها الى الاتحاد في ظل تعيين حارس قضائي الآن على النادي. وحتى هذا الحارس القضائي لا يمكنه إجراء المعاملات الادارية بعدما تمّ استئناف قرار تعيينه، وبالتالي فإن الأمور معقّدة الى أبعد الحدود.
اليوم كل من يفكر في مساعدة الحكمة عليه أن يعلم أن فريقاً لكرة القدم موجود في النادي وميزانيته الموسمية في الدرجة الثانية (حوالى 125 ألف دولار كحدٍّ أدنى) قد تكون أقل من المبلغ السنوي الذي يحصل عليه أحد لاعبي فريق كرة السلة. كذلك عليه أن يعلم أن الفريق الكروي هو الاصل في تأسيس النادي عام 1943، لا بل هو الابن الذي ولد قبل أبيه، وهو أساس شيء اسمه الحكمة، لا بل هو السبب الذي جذب الرئيس الراحل انطوان شويري الى النادي الاخضر بعدما شاهد جمهور الحكمة يصرخ في مدرجات ملعب رشيد كرامي البلدي في طرابلس «يقولوا شو ما يقولوا حبّينا الحكمة وبس» رغم سقوطه 1-8 امام الانصار في دور الـ16 لكأس لبنان عام 1992، ليشرع بعدها في السنة نفسها في تكوين فريقٍ لكرة السلة من دون أن يسقط اهتمامه عن الفريق الكروي، عكس ما يحصل في العصر الحديث.

يمكنكم متابعة شربل كريم عبر تويتر | @charbel_krayem