منذ تأسيسه قبل 107 سنوات بحث غلطة سراي عن مكان له بين كبار كرة القدم الاوروبية، فمنذ اللحظة الاولى التي اطلق فيها مؤسسه علي سامي ين (يحمل ملعب النادي حالياً اسمه)، ذاك النادي الذي تحوّل إلى افضل اندية تركيا على الاطلاق، كان الهدف منه ان تحكم تركيا عالم الكرة على غرار ما فعلت السلطنة العثمانية في الماضي البعيد.
وهذا الامر كان طبعاً صعباً الى ابعد الحدود خلال القرن الماضي، اذ امتلك الاقران الاوروبيون بنية كروية أصلب من تلك التي وجدت في تركيا. الا ان الامور ذهبت في طريق التطور، وخصوصاً في غلطة سراي، الذي بلغ القمة مع بداية القرن الجديد، عندما اصبح اول نادٍ تركي يتوّج بلقب اوروبي، وذلك بعد احرازه كأس الاتحاد الاوروبي عام 2000، قبل ان يضيف اليها الكأس السوبر الاوروبية في العام عينه.
ومنذ ذاك الانجاز الاستثنائي لاكثر الاندية التركية احرازاً للقبي الدوري والكأس المحليين، بات الهدف اكبر، وذهب الطموح ابعد بكثير مع وصول الرئيس الحالي للنادي أونال أيصال، فأصبح كل لاعبٍ نجمٍ متاح هدفاً لفريق «القلعة»، وبات حلم الذهاب بعيداً في مسابقة دوري ابطال اوروبا مشروعاً اساسياً، لم تحبطه الخسارة افتتاحاً امام ريال مدريد الاسباني 1-6.
وقبل مباراته القوية الليلة مع يوفنتوس الايطالي، عاد غلطة سراي ليفرض نفسه في العناوين العريضة عبر تعاقده مع مانشيني لينضم الى مجموعة من النجوم الذين كان مستبعداً رؤيتهم بقميص فريق تركي في الماضي القريب، وذلك بالنظر الى قيمتهم الفنية، وخصوصاً اولئك الذين سبق ان رفعوا الكأس صاحبة الاذنين الطويلتين، وتحديداً العاجي ديدييه دروغبا والهولندي ويسلي سنايدر، اللذين كانا صاحبي الفضل الاول في تتويج فريقيهما تشلسي (2012) وإنتر ميلانو (2010) على التوالي باللقب القاري الكبير.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: ما هي الاسباب الحقيقية وراء قبول النجوم من مدربين ولاعبين التحوّل نحو تركيا للدفاع عن راية غلطة سراي؟
في الحقيقة تتعدد الاسباب، لكن على رأسها السبب المادي، حيث يستفيد غلطة سراي من رعاية رسمية خفّفت الضرائب عنه، وبالتالي فانه لا يجد مانعاً في دفع الضريبة البسيطة المفروضة على اجور لاعبيه، فيقوم بإغوائهم بأن راتبهم سيكون صافياً على غرار ما حصل لدى استقطابه دروغبا، الذي يتلقى راتباً شهرياً خالياً من الضرائب، في وقت كان سيكلفه انتقاله الى احد الاندية الاسبانية اكثر من 40% كضريبة على راتبه، او الى احد الاندية الفرنسية، حيث أقرّ الرئيس فرنسوا هولاند نسبة الـ 75% التي ستجعل النجوم يهربون من «ليغ 1» في فترة قريبة.
وبطبيعة الحال، كان الاستقرار المادي الذي يعيشه غلطة سراي منذ 2011 سبباً رئيساً في احداث نوع من الهدوء في ارجاء النادي، وبالتالي افساح المجال امام التمهيد للنجاحات على الصعيد الفني. ففي هذه السنة، انتقل النادي الى ملعب جديد يتسع لـ 52 الف متفرج، وتمكن من جذب رعاة جدد بصفقات بلغ مجموعها 95 مليون يورو سنوياً. أضف إلى ذلك تمكنه من بيع 40 الف بطاقة موسمية، ووصول المليونير أيصال الذي جعل من اولوياته جلب كل ما هو مفيد ومتاح للنادي. ومن هنا، كان اتفاقه مع المدرب فاتح تيريم الملقّب بـ «الإمبراطور» في تركيا، الذي قاد غلطة سراي الى اكبر نجاحاته في تاريخه عام 2000.
وبالفعل، كان التناغم بين الرجلين وانفتاحهما في سوق الانتقالات العامل الرئيسي في تحوّل الفريق الى قبلة للنجوم، حيث انضم اليه ايضاً البرازيلي فيليبي ميلو والعاجي إيمانويل إيبويه. وما يدل على طموحات أيصال اللامحدودة هو عدم ممانعته التضحية بشريكه تيريم عندما لم يجد ان الاخير يضع مصلحة النادي فوق كل اعتبار، على خلفية رفضه تمديد عقده عامين اضافيين.
لذا فان قدوم مانشيني لا يعدّ مرحلة انتقالية، بل محطة في عملية بناء عظيم يريده غلطة سراي لابهار اوروبا كلّها، بعدما انبهر المنافسون في الداخل من حجم الاسماء التي وصلت لارتداء الالوان الحمراء والصفراء في الموسمين الماضي والحالي.
صحيح ان الكرة التركية مرّت بظروف صعبة، كان محورها التلاعب بنتائج المباريات لمصلحة مكاتب المراهنات، اضافة الى النتائج المخيّبة للمنتخب الوطني، لكن ما أقدم عليه غلطة سراي ومع بعض النتائج الجيدة امام الكبار في الـ «تشامبيونز ليغ»، ستطلّ تركيا على العالم الكروي بصورة قد تكون افضل من تلك التي ظهر عليها منتخبها في مونديال 2002، عندما احتل المركز الثالث في اكبر انجازٍ كروي عرفته البلاد.

يمكنكم متابعة شربل كريم عبر تويتر | @charbel_krayem




مانشيني تحت الضغط


يصل المدرب الايطالي روبرتو مانشيني الى إسطنبول لتسلّم فريق يعاني، اذ إنه بعيداً من خسارة غلطة سراي امام ريال مدريد بسداسية في دوري ابطال اوروبا، فان الفريق لم يفز الا في مباراة واحدة من اصل خمس خاضها في الموسم الجديد للدوري التركي، كما ان «المدرب الصبور» قد يعيش ضغوطاً هائلة، فهو سيخلف معشوق الجماهير فاتح تيريم، الذي قاد الفريق الى ستة القاب محلية من اصل 19 احرزها في تاريخه، اضافة الى التصاق قميص الفريق بجسمه لمدة 11 عاماً عندما كان لاعباً في صفوفه.