"بداية ثورة". تحت هذا العنوان كتب الزميل وضاح الصادق بضعة اسطر على الصفحة التي يعبّر فيها "على طريقته" كما يقول عبر موقع "فايسبوك" للتواصل الاجتماعي.
الانصاري الهوى والانتماء قال حرفياً: "جمهور النجمة يمثّلني"، مشيراً الى ان ما يقوم به هذا الجمهور "يجب ان يمثّل بداية ثورة رياضية ضد كل من يعيث بالرياضة فساداً، وضد من استولى عليها وخطفها وحرمنا متعتها، وضد الاتحادات وخاصة الدولة التي تتغاضى عن اغتصاب الرياضة، والاجهزة الامنية التي تهرب من مسؤولياتها امام الشباب وتقفل ابواب الحرية امامهم". وختم: "الدول في كل العالم توجّه شبابها نحو الرياضة، الاغبياء عندنا يطلبون من شبابنا حمل السلاح والتقاتل".
هي فعلاً ثورة على واقع مرير عرفه الجمهور المظلوم في كرة القدم اللبنانية منذ سنوات خلت. وهي فعلاً ثورة مطلوبة على مستنقع أُغرقت البلاد فيه منذ سنوات طويلة، فكانت اللعبة الشعبية الاولى من اولى الضحايا ولا تزال.
شكل الثورة جرى تظهيره امس على الارض بعد عملٍ دؤوب طوال الاسبوع الماضي، وتحديداً من جمهور النجمة لرفع الصوت وانهاء الحالة الشاذة التي بدت انها تعدم كرة القدم اسبوعاً بعد آخر. وهنا الكلام عن الطريقة التي رسمت تلك التظاهرة الرامية الى المطالبة بحق بسيط واساسي، فالدعوات اليها كانت على طريقة تلك الثورات العربية، من حيث انتشارها بسرعة على كامل المساحة الجغرافية للبنان، مستخدمةً وسائل التواصل كأداة للدعوة، حيث كان التركيز يومياً على التذكير بنقطة التجمع التي كانت في المشرفية، وبموعد المسيرة نحو ملعب بلدية برج حمود.
على طريقة الثورات العربية كانت الدعوة الى تحرير الملاعب عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي

وكل هذا يؤكد ان ما حصل غير عادي، اذ وبرغم خروج مواقف كثيرة، وخصوصاً من جمهور النجمة سابقاً حول قرارات المنع، وما اكثرها، فإن طريقة الاعتراض لم تكن عفوية للمرة الاولى، بل ادرك المنظمون وبعدهم المشاركون الهدف الرئيس مما يطالبون به ويذهبون اليه: الدخول الى مدرجات برج حمود فقط لا غير.
المتابعة للمسيرة من المشرفية الى الملعب القديم الذي لم يشهد منذ زمن بعيد حدثاً من هذا النوع، ربما تشير الى خبرة اكتسبها قسمٌ كبيرٌ من الشبان من التظاهرات الكثيرة التي شاركوا فيها في الفترات الاخيرة لقضايا اجتماعية او سياسية، فكما ثار بعضهم على واقع "الزبالة" التي لا نزال نغرق فيها، اراد انتزاع حقّ لا يكلّف الدولة سوى أداء واجبها بتأمين الحماية لكل حاضر للمباريات الرياضية، التي تقام اصلاً لمن اذا لم تكن للجمهور؟
"موضة" التظاهرات وقطع الطرقات وصلت اخيراً الى كرة القدم اللبنانية بغية استعادة ملاعبها وفتحها امام روادها الحقيقيين، لا اولئك الذين يستخدمونها لاسباب لا تمتّ الى الرياضة بصلة. وبرغم ان القول الشائع في لبنان "ما حدا احسن من حدا"، كانت ثورة جمهور النجمة احسن من اي ثورة اخرى، لأنها أثمرت نتيجة ايجابية، او لنقل انها كانت الحدث امس، بمحاصرتها للملعب وبسلميّتها وحضارتها، وحتى بقطعها للطرقات المحيطة بالمكان والمؤدية اليه.
هي التظاهرة التي سرقت النجومية من اي حدثٍ مشابه آخر في نهاية الاسبوع، اذ حتى قطع طريق خلدة بالاطارات المشتعلة احتجاجاً على اقامة مطمر نفايات في المنطقة، لم يشتّت الانظار عمّا كان حديث كل الناس امس، وحتى اولئك الذين لا تستهويهم الرياضة، كانوا ينظرون بدهشة الى هواتفهم النقالة مع كل نبأ عاجل يصلهم، حيث اعتادوا سماع الانباء عن قطع الطرقات في ما خصّ كل شيء، الا الجانب الرياضي.
"ثورة 13 اذار" كسرت القرار الامني بروح رياضية ولم تعطِ سبباً لأي عنصرٍ امني لفعل أي شيء سوى حماية الحشود. هذه الثورة التي بدأت عاطفية واصبحت وطنية، فتحت الابواب وانقذت اللعبة قبل دفنها مرة جديدة، والاهم انها قالت كلمة واحدة تمثّلنا جميعاً: "الملاعب إلنا".




ليست المرة الأولى


كثيرة هي المحطات التي مُنع على أثرها الجمهور من حضور المباريات ثم دخل اليها، أولاها كانت بعد مباراة منتخبي لبنان والكويت في شباط 2006 حين انقسم الجمهور اللبناني على خلفية الارتدادات السياسية. واستمر المنع محلياً حتى تصفيات مونديال 2014 وتحديداً في لقاء لبنان والإمارات في 6 أيلول 2011 حين تحرك رئيس الاتحاد هاشم حيدر بدعم من وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي وسمح للجمهور بالدخول الى مدرجات المدينة الرياضية. هذا الملعب الذي كاد أن يفقد جمهوره في لقاء لبنان وقطر في 3 حزيران 2012 مع محاولات سياسية لمنع الجمهور مخافة التعرض بالشتائم لأمير قطر، وقد باءت بالفشل وحضر ما يقارب الـ 30 ألف مشجع، لكن الأعمال الإرهابية نالت من الحضور الجماهيري في لقاء لبنان وإيران في 11 حزيران 2013 فمنع الجمهور بعد تفجير قرب السفارة الإيرانية.