لا يمكن اعتبار ما صرح به نجم برشلونة اندريس إينييستا عن عدم قبول العرض الجديد من قبل ناديه مفاجئاً. وإن لم يقبل تجديد عقده الذي يحصل بموجبه على ثاني أعلى أجر في «البرسا»، بعد زميله الأرجنتيني ليونيل ميسي، فذلك يدلّ على أن المشكلة تتعدى الأمور المادية، وهو الذي بالأصل يرى نفسه مكتفياً مادياً بما يملكه حتى هذه الساعة.
الرسام يملك مصنعاً ضخماً لتصنيع الخمور موجود في مدينة فوينتيالبيا مسقط رأسه. ووفقاً لما أوردته وسائل الإعلام الاسبانية، فإن المصنع ينتج ما يقارب الـ500 إلى 700 ألف كيلو من النبيذ سنوياً، مع إمكان إنتاج كميات أكبر. وعمل اينييستا على هذا المشروع لمدة أعوام كثيرة حتى تمكن أخيراً من افتتاح المصنع في فوينتيالبيا لمساعدة سكانها، فالراتب الذي يقبضه سنوياً من النادي الكاتالوني يمثل جزءاً من ماله لا كله. ودائماً ما يستكمل إينييستا تميّزه المهاري بالتميز الأخلاقي، ويبرهن أنه نجم كريم النفس وليس مصاباً بجشع الأموال، وذلك من خلال الاعتراف بالجميل لنادي بلدته التي ولد فيها الباسيتي، دفع 240 ألف يورو ليمنع الباسيتي من الهبوط إلى دوري الدرجة الثالثة في وقت يسعى فيه النادي للبقاء في الدرجة الثانية، أملاً في الصعود إلى دوري الدرجة الأولى.
ودفع إينييستا ما يقارب ربع مليون يورو لمنع تنفيذ قرار إداري بهبوطه لعدم تلبيته الالتزامات تجاه لاعبيه وسداد رواتبهم، بعدما تراكمت عليه الديون. هناك في قريته الصغيرة يكنون له المودة ويقدرونه، وعندما يعود من برشلونة إلى قريته يرى فيه أبناء بلدته والده الذي ورث الموهبة منه، وعلمه حب كرة القدم. يمازحه بعض الجيران و الاصدقاء بالقول: « كان والدك يلعب الكرة أفضل منك الآن». العرض المقدّم أخيراً لا خلاف فيه على الأمور المالية، ولا يهم إينييستا ذلك كثيراً، بل إن العرض لم يلبِّ طموحه. مدة التعاقد هي أساس الخلاف، طموح إينييستا أن يعتزل ببرشلونة، وشرطه أن يضمن ذلك في عقده الجديد، حيث يرغب اللاعب في جعله حتى عام 2020 على عكس العرض المقدّم إليه الآن ويمتد حتى عام 2018.
وإن كانت هي المرة الاولى التي يرفض فيها اينييستا عرض رئيس النادي ساندرو روسيل، يمكن القول انه يحق له ذلك. اللاعب ليس مجرد رجل موهوب يملك عقلية فذة، قيمة اينييستا تكمن في أنه لاعب أساسي لا يعمل نظام برشلونة على نحو مثالي إلا بوجوده، وإن كانت هذه الجملة الأخيرة تنطبق على ميسي قبله. «الرسام» قادر على تغيير نظام اللعب، بوجوده يصبح ميسي أخطر. على النادي الكاتالوني السعي بشتى الطرق إلى الاحتفاظ بالـ «مايسترو»، فهو «قطعة ذهبية» لا يجوز التفريط بها أبداً. موهبته تحصل على تقدير عظيم من الخصم قبل الصديق، وقوته كصانع العاب ترتكز على تمريراته المتقنة والحاسمة. كل هذه الخصائص تجتمع في لاعب يختصر أهم لحظات حياته في كتابه «سنة في الجنة». اللحظات الأجمل والأصعب في مسيرته الكروية. من هدفه الشهير والحاسم فى مرمى حارس تشلسي التشيكي بتر تشيك في «ستامفورد بريدج» الى هدفه الأهم في نهائي كأس العالم 2010. لم تنصفه الكرة حتى صيف 2012، لينال جائزة أفضل لاعب في أوروبا، متفوقاً على البرتغالي كريستيانو رونالدو وميسي. ففي ظلّ وجود هذين النجمين يصعب على أي احد التفوق عليهما، لكنه تمكن من حصد الجائزة ليرثها بعده الفرنسي فرانك ريبيري. هؤلاء نجوم لا تشفع لهم إلا قدراتهم وقوتهم. إن غفل الإعلام عنهم، يعودون للتذكير بأنهم من الطينة الأفضل في عالم الكرة ولو كان عملهم على ارض الملعب يأتي على نحو لا تسلط عليه الأضواء مثل الهدافين. هؤلاء نجوم لا غنى عنهم، هم من يضعون شروط العقد على أنديتهم لا العكس.