كرة القدم لا تخلو من المصادفات، لكن المصادفة الجديدة تحمل معاني تتخطى ما سواها. معانٍ باتت تفقدها، على نحو كبير، تلك الكرة التي أذهلت العقول وخفقت لها القلوب وابتسمت لها الوجوه، وبكت لها العيون. قبل ثلاثة ايام، استفاقت روما على صباح كان الأكثر اشراقاً في الفترة الأخيرة. في العاصمة الايطالية، التي تبحث عبثاً عن ريادة باتت تسكن قعر الذكريات، وحده فرانشيسكو توتي هو الضوء في المدينة.
كبر توتي، لكن مجرد ذكر اسمه يدخل الفرحة الى قلوب سكان العاصمة. ما زرعه «إل كابيتانو» في روما في أيام عزّه في الملاعب، سيظل يحصده عزاً حتى بعد اعتزاله، لكن هيهات، فإن هذا النجم او «ملك روما»، كما يحلو لجماهير «جالوروسي» أن يلقّبوه، يرفض الاعتزال. لا يقوى لسانه على أن ينطق بهذه الكلمة. قلب «الملك» كبير وحنون ولا يحتمل أن تذرف عليه روما الدموع. لا شيء، لا شيء اطلاقاً في قلب توتي سوى روما. وعندما يكون حال قلب توتي كذلك، فإن جسده الذي أرهقته السنين سيستجيب سريعاً لنداء الفؤاد: هاكم يا أحبائي في روما فأنا معكم لعامين اضافيين.
هكذا قالها قلب توتي قبل ثلاثة أيام. النجم الأسطوري مدد عقده حتى 2016 مع فريقه أو «معشوقه» الأزلي الذي بدأ فيه مسيرته ورفض كل العروض الضخمة، وما أكثرها، للرحيل عنه. بعمر الـ 37 عاماً، كان بإمكان «الملك» أن يبحث عن انتقال «سياحي» الى ملاعب الولايات المتحدة أو استراليا او غيرها يستريح فيه من سنوات مرهقة بذل فيها كل ما يملكه في خدمة روما، لكن توتي أبى ذلك. وقّع العقد الجديد بـ 3,2 ملايين يورو في السنة. بالتأكيد فرانشيسكو لم ينظر عند التوقيع الى الخانة المتعلقة بالشق المادي. مجرد توقيع هذا العقد بالنسبة إلى توتي يساوي الدنيا وما فيها.
غفت روما ليلتها مطمئنة، اما مدريد، فكان النوم لا يزال يفارق مقلتيها.
في العاصمة الاسبانية، لا مكان للهدوء وسكون القلوب. هناك، لا تنتهي العقول من الحسابات، وبالدرجة الاولى المادية منها. مع البرتغالي كريستيانو رونالدو، تعقدت الحسابات كثيراً في رأس رئيس ريال مدريد، فلورنتينو بيريز، وطاقمه. مذ حزن رونالدو في بداية الموسم الماضي والمدينة تبحث عن المخرج. أُربكت مدريد، فالمعضلة كبيرة: إن لم نٌرضِ «الدون» مادياً، فسيرحل حتماً. مدريد تدرك جيداً ان رونالدو ليس توتي.
مرّ قطوع الموسم الماضي على خير، لكن الحسابات لم تنته. حضر الويلزي غاريث بايل الى العاصمة الاسبانية بتحويلة مليونية الى لندن فاقت تصور كل عقل كروي، كي لا نقول عقلاً بشرياً، ومعها ازدادت الحسابات تعقيداً في مدريد بالنسبة إلى رونالدو. القلق يسري في قلوب المدريديين والهاجس واحد: ماذا سنفعل في قادم الأيام اذا عاد الحزن ليستحكم بـ «الدون»، بعد الدلع الذي أغدقناه على بايل؟ تساءلت العاصمة الاسبانية، لكن بيريز وجد أخيراً الحل السحري: تأشيرة رحيل لمسعود اوزيل الى لندن، بتحويلة من هناك بـ 50 مليون يورو، وعقد جديد يدخل الطمأنينية الى قلب رونالدو.
العقد الجديد أُعلن عنه بالأمس اذاً: رونالدو يساوي 17 مليون يورو سنوياً حتى 2018. خذ أيها «الدون»، أصبحت حتى أغلى من ليونيل ميسي، لا من بايل فقط: قالتها مدريد فرحة، بعدما اطمأنت الى انها ستحتفظ بـ «دونجوانها».
لكن هل هي الفرحة المثلى يا ترى بالنسبة إلى المدريديين؟ لا شك في أن البحث عن هذا الجواب ليس في مدريد، بل هو، هناك، في طيات عقد توتي الجديد، كما في قلب المعشوق الحقيقي لروما!