تأخر كاكا قليلاً. ميلانو كانت منذ الصيف الماضي في الانتظار. المدينة الايطالية الهائمة بعشق ابن مدينة غاما البرازيلية لم تستطع نسيان هذا النجم. لم يخرج كاكا من قلبها رغم أنه ترك الإرث الذي صنعه في ملعبها التاريخي «سان سيرو» عندما طلبه فلورنتينو بيريز. وقع الشاب اللطيف قلباً وقالباً وقتها أسيراً لدهاء رئيس ريال مدريد الأشهر في التاريخ. أغوى الراتب المغري والمشروع الكبير في مدريد بقدوم البرتغالي كريستيانو رونالدو والفرنسي كريم بنزيما، الشاب البرازيلي، وساعده على ذلك طبعاً ترحيب مسؤولي ميلان بالعرض الضخم مفسحين المجال أمامه للرحيل. حزم كاكا حقائبه وشدّ الرحال نحو العاصمة الاسبانية، مخلّفاً ذكريات لا تمحى ومدينة تبكي طفلها المدلل. نعم، ميلانو بكت كاكا. كيف لها أن لا تفعل ذلك وقد فقدت إحدى رئتيها أو قل قلبها النابض. فعاصمة مقاطعة لومبارديا كانت تتنفس من سحر كاكا، ولم يكن قلبها ينبض بالحياة الا ببسمة كاكا. الشاب القادم وقتها من فريق ساو باولو في بلاده رسم البسمة كثيراً على وجه ميلانو. كان الفرحة لأطفالها والملهم لكبارها ووميض سحر مساءاتها. كتلك الأمسية التي لا تنسى في ملعب «أولد ترافورد» في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا أمام مانشستر يونايتد الانكليزي عندما ألهب البرازيلي حماسة الملايين حول العالم بعرض خرافيّ توّجه بهدفين رائعين مهّدا الطريق نحو بلوغ النهائي والفوز بآخر كأس دوري أبطال لـ «الروسونيري».
على أي الأحوال يطول الحديث عن فصول العشق في العلاقة بين مدينة ميلانو وكاكا.
إنه الثامن من حزيران لسنة 2009. الحسرة تأكل ميلانو. كاكا في مدريد يوقّع على عقد انتقاله الى الملكي. الحزن يجتاح مدينة شمالي ايطاليا. كل شيء كان فيها حزيناً: شوارعها، أشجارها، شمسها كما وجوه قاطنيها من مشجعي ميلان.
طوت المدينة الكئيبة صفحة كاكا لكن أهلها أبوا أن يطووا قميصه. ظل القميص الرقم 22 وفي اعلاه اسم كاكا الأكثر انتشاراً في المدينة. ظل طيف البرازيلي يخيّم على ميلانو. كان الشعور بعدم التصديق لرحيل الرمز والملهم والبطل سيداً للموقف لدى الميلانيين، ولسان حال أحاسيسهم كان وقتها واحداً: كاكا لنا ولا بد أن يعود يوماً. هو ابن هذه المدينة ولا يمكن أن يهجر أحضانها للأبد... ظل القميص الرقم 22 بالانتظار.
بالأمس، كان اللقاء من جديد. صدق احساس أبناء ميلانو. كاكا تأخر قليلاً، لكنه عاد. هي أربع سنوات كانت بمثابة غربة موحشة لما عاناه البرازيلي في مدريد.
بالتأكيد، كان صباح ميلانو أمس الأكثر اشراقاً منذ عام 2009 مع سماع نبأ عودة ولدها، فأبناء «الروسونيري» لم يكونوا أفضل حالاً من كاكا طيلة هذه السنوات، هم الذين كانوا يشاهدون فريقهم ينهار رويداً رويداً في غيابه. كم سيكون مدهشاً الآن دخول كاكا من جديد الى ملعب «سان سيرو». رؤيته مجدداً بقميصه الأحمر ذو الرقم 22. هذا القميص الذي لا يليق الا بالبرازيلي.
كاكا في ميلانو مجدداً إذاً. عاد الطفل الى حضن أمه. عادت الحياة الى عاصمة لومبارديا. ميلانو تبدو كمن استعادت أنفاسها ودقات قلبها الآن، لكنها تبقى في حال ترقب وانتظار. بانتظار وميض غادرها منذ مدة وآن الأوان لتستعيده الآن. وميض سحر فتاها البرازيلي الذي اشتاقت اليه مساءاتها.