لا يختلف اثنان على أن لبنان بلد العجائب. ففيه من التناقضات والمفارقات ما ليس موجوداً في أي بلد آخر، وهي طاولت أيضاً منتخب لبنان لكرة القدم ومديره الفني ثيو بوكير. ففي لبنان فقط، يكون هناك مدرب قاد منتخباً ما الى إنجاز كبير وحصد 10 نقاط في الدور الثالث وخمس نقاط في الدور الرابع الحاسم. هذا دون إغفال ضياع تسع نقاط على الأقل (مباراتان مع كوريا الجنوبية وواحدة مع قطر) عبر تلاعب بعض اللاعبين بنتائج المباريات لصالح مكاتب مراهنات. لكن رغم ذلك، بوكير ينتهي مشواره مع منتخب لبنان ليبدأ البحث عن مدرب آخر ليكمل مشوار تصفيات كأس آسيا لكرة القدم وتحقيق حلم التأهل الى النهائيات للمرة الأولى عبر المنافسة وليس الاستضافة.

فعلياً، لم يتم إقالة بوكير أو الإعلان عن عدم رغبة بالتجديد له. فخروج بوكير جاء بعد توقيعه عقداً مع نادي الاتفاق السعودي، والذي حصل نتيجة تأجيلات متواصلة لبت مصيره في اللجنة العليا، فكان عبارة عن رسالة واضحة بأنه شخص غير مرغوب فيه.
إلا أن البعض لا يعتبر أن مشوار بوكير مع منتخب لبنان انتهى صدفة من باب «الافتراء» أو من دون أسباب. فهناك ملاحظات عديدة على أداء المدرب الألماني خلال السنتين اللتين قاد فيهما المنتخب اللبناني، وخصوصاً على صعيد التعاطي مع بعض الأمور التي يراها البعض مهمة.
قد تسأل أحد المسؤولين في الاتحاد عن الملاحظات التي أدت الى تراجع الحماسة أمام التعاقد معه لإكمال المشوار، فتأتي أجوبته مشابهة لزملاء له في الاتحاد. «هل نبدأ من أسلوبه «الزئبقي» في التعامل مع القضايا؟ أم في عدم انضباطه وتواصله مع الإعلام بطريقة غير صحيحة، مع تصاريح مجافية للحقيقة في بعض الأحيان؟ أم من أسلوبه في التعاطي مع بعض اللاعبين والتصاريح التي أطلقها بحقهم؟ من دون الدخول في الملاحظات الفنية في بعض المباريات كون هذا ممكناً أن يحصل في عالم كرة القدم، لكن في الأمور الأخرى فقد بدت الأشياء نافرة ولا يمكن التغاضي عنها.
ملاحظات تبدو في مكان ما في مكانها، لكن ليس بالنسبة الى بوكير في حديثه إلى «الأخبار». فالمدرب الألماني الذي يفتخر بأن صحوة منتخب لبنان كانت بمساهمة منه في محطتين: الأولى عام 2001، وتحديداً في تصفيات كأس العالم 2002، والثانية في السنتين الماضيتين «وما كان بينهما هو فترة من الظلام الكروي المعروف من قبل الجميع». لكن في المحطتين، كان بوكير كما اللبنانيين ضحية لتلاعب لاعبين بالنتائج. لكن هذا لا يجعله يقلل من أهمية ما حصل، قبل أن يبدأ بالرد على الملاحظات حول أدائه خلال الفترة الماضية. «ليس خطأ أن يكون المرء ذكياً ويعرف كيف يتعاطى مع الآخرين. قد يرى البعض هذا على أنه أداء زئبقي، لكنني لا أوافق على هذا. مشكلتي أنني لم أكن أعرف من هي مرجعيتي. هل هو رئيس الاتحاد هاشم حيدر؟ أم رئيس لجنة المنتخبات أحمد قمر الدين؟ أم الأمين العام للاتحاد جهاد الشحف؟ هذا كان يشكّل عائقاً أمامي».
ويضيف بوكير «أنا أحترم اتحاد كرة القدم وأعضاءه، لكنني في النهاية أعمل لصالح الكرة اللبنانية بالتنسيق مع الأعضاء، ولم أهدف يوماً إلى مهاجمتهم في الإعلام. أما تعاطيّ مع هذه السلطة الرئيسية والتي لها دور أساسي في عملي، فهذا أمر ضروري. فالإعلام بالنسبة إليّ شريك وله تأثير كبير على عملنا ولا يمكن الابتعاد عنه».
لكن في بعض الأحيان، كانت تصريحات بوكير قاسية وتطال بعض أعضاء الاتحاد، وتحديداً الرئيس حيدر خصوصاً حين صرّح بوكير بأن حيدر يتدخّل بالتشكيلة ويفرض أسماء، وهو أمر غير صحيح.
يجيب بوكير عن هذه المسألة «ماذا تريدني أن أظن أو أفكر حين يأتي أعضاء مقربون ويفرضون عليّ ضم لاعبين معينين؟ هل يمكن أن يتصرف هؤلاء من دون موافقة الرئيس؟».
إذاً، مسألة تدخل حيدر كانت استنتاجية وتحليلية من بوكير بعد تدخل أعضاء آخرين. وهنا كان أحد أخطاء بوكير. فاتحاد كرة القدم ليس شركة خاصة يرأسها حيدر، بل هو من مجموعة من الأعضاء الذين يتصرف بعضهم من دون العودة الى الرئيس. وهذا أمر عاد ووافق عليه بوكير قائلاً «أنا عرفت ذلك واعتذرت من الرئيس».
لكن التصريحات الإعلامية ليست هي الوحيدة التي يُنتقد بوكير عليها، فهناك مسألة التعاطي مع اللاعبين ومع بعضهم بطريقة غير مقبولة، كعلي السعدي وأحمد زريق وهيثم فاعور وعباس عطوي «أونيكا» وحسن معتوق.
هنا ينتفض بوكير ويقول «اثنان من الأسماء التي ذكرتها فاسدان ومتلاعبان، فهل المطلوب أن أحابيهما وهما باعاني؟ وكيف يمكن أن أتعاطى مع السعدي وهو اللاعب الأكثر وزناً في المنتخب والذي يتدرّب باستهتار، وهل أن ضغطي على بعض اللاعبين للتخلي عن «الأركيلة» هو تهمة ضدي؟ أما بالنسبة إلى اللاعب عباس عطوي، فأنا كنت أقوم بذلك لمصلحته، وهو ما ظهر لاحقاً حين اجتهد أونيكا كي ينضم الى المنتخب ونجح في ذلك فأصبح قائداً له».
ويؤكّد بوكير أنه كان يتمنى أن يبقى مع منتخب لبنان، وحتى جهازه الفني المؤلف من الهولندي بيتر والألماني كريس كانا يرغبان في العمل لكرة القدم اللبنانية وليس للمنتخب الأول، لكن لم تُتح لهم الفرصة، وبالتالي فرضت الظروف انتقاله الى الاتفاق السعودي. «فأنا اجتمعت مع رئيس بعثة لبنان الى إيران عضو الاتحاد موسى مكي لساعتين في طهران وتحدثنا في جميع الأمور. وهو أكّد لي أن الأمور ستحسم في غضون أسبوع بعد عودتنا، واضعاً تاريخ الأربعاء 19 حزيران كحد أقصى. وأنا كنت قد راسلت الاتحاد مرات عديدة، طالباً اجتماعاً للبحث في المرحلة المقبلة ووضع روزنامة عمل واضحة وفق جدول زمني محدد، من دون أن ألقى جواباً. حتى أبلغني مدير المنتخب فؤاد بلهوان بأن الاجتماع المخصص للمنتخب تأجل الى حين عودة جهاد الشحف من السفر وسيناقش في جلسة الاثنين 22 الجاري. لكن سير الأحداث لم يكن يؤكّد بأن الاجتماع سيحصل ومن المؤكد أن الأمور ستطول. في هذا الوقت، كانت هناك عروض من منتخبي تايلاند وسوريا وفريقي الزمالك المصري والاتفاق السعودي. ووجهت دعوة لي الى البحرين لمناقشة الموضوع مع إدارة الاتفاق التي ضغطت عليّ بشدة وطالبتني باتخاذ القرار حالاً فوافقت لسببين. الأول، لأنني كنت أعلم بأن هناك مماطلة، والثاني أنني أريد أن أفتح المجال أمام اللبنانيين ليروا كيف ستكون الأمور من بعدي، وخصوصاً أن البعض يعتبر أن لا دور لي في ما تحقق!».
لكن، لماذا لم يبق في لبنان مع أندية لبنانية؟
«السبب عينه. لا أحد يتصرّف بطريقة صحيحة. فكان هناك جس نبض من الصفاء والإخاء الأهلي عاليه بطريقة غير مباشرة ومن الأنصار بطريقة مباشرة. لكن لا أحد عمد الى تقديم عرض رسمي وتفاصيل محددة كما قام الاتفاق. فأنا وصلت الى البحرين لأجد تأشيرة سفر سعودية وعقداً رسمياً وجميع الأمور قد سوّيت بطريقة احترافية. حينها قررت التوقيع على العقد».




جيانيني الأوفر حظاً

لا تزال حظوظ المدرب الإيطالي جيوزيبي جيانيني الأوفر لتولي منصب المدير الفني لمنتخب لبنان، رغم الحديث في اليومين الماضيين عن دخول المدرب الفرنسي هنري ميشال على الخط، ولكن ليس بحظوظ كبيرة نتيجة مجموعة ملاحظات على الفكرة.