نصف قرن أمضاه جوزف «يوب» هاينكس في الملاعب الخضراء. من دون شك، هي فترة طويلة يصعب على أي كان تحمّل ضغوطها، لكن هاينكس عاشها بطريقة مثالية، متألقاً، لاعباً، ومدرباً، رغم كل تلك الفترات العصيبة التي مرّ بها. النظرة الى هذا الرجل لا تعطي أبداً فكرة بأنه اقترب من نهاية العقد السادس من العمر، فهو يبدو «شيخ الشباب» إن كان من خلال أناقته أو من خلال حماسته وتفاعله ونشاطه على أرض الملعب أو من خلال شغفه في الحديث بإسهاب خلال المؤتمرات الصحافية. ويضاف الى كل هذه الأمور نقطة مهمة هي أنه يتمتع بحسّ الرابح دائماً، فهو رابح بطبيعته، كيف لا وقد اعتاد حصد الألقاب مذ كان لاعباً مع بوروسيا مونشنغلادباخ ومنتخب ألمانيا «التاريخي» الذي كان أحد أبطاله الأساسيين عندما أحرز لقب كأس أوروبا عام 1972 وكأس العالم 1974.
سر نجاح هاينكس وقوته كانا دائماً شخصيته، فهو لا يساوم ولا يتهاون ويصرّ على خططه أو لاعبيه المختارين. كما أن كبرياءه أكبر من كل إنجازاته، وهذا ما بدا جليّاً في آب الماضي عندما كشف أنه سيترك بايرن ميونيخ في نهاية الموسم الحالي. لقد شعر هاينكس وقتذاك بأن ثقة الإدارة البافارية به لا تبدو مكتملة، رغم قيادته الفريق الى المباراة النهائية لمسابقة دوري أبطال أوروبا في الموسم الماضي، وذلك عندما قرر المسؤولون تعيين ماتياس سامر في منصب المدير الفني. هذا القرار كان له دافع عميق، إذ إن سامر كان بطبيعة الحال المدرب الذي يمكن أن يأخذ المهمة من هاينكس في حال إقالته. وبالطبع، شعر هاينكس بالإهانة من هذا التعيين، وقد تفاقم هذا الشعور مع معرفته ببدء المفاوضات مع الإسباني جوسيب غوارديولا، ثم الإعلان السريع عن النجاح في الاتفاق معه.
إلا أن طبيعته الرابحة لم تؤثر على تركيزه لناحية صناعة أحد أعظم الفرق التي مرّت على تاريخ النادي البافاري، وهذا الأمر قد يتكرس في حال إكمال البايرن الثلاثية في نهاية الموسم، ليكون هاينكس بالتالي أفضل مدرب استغنى عنه «هوليوود الكرة الألمانية».
ومن هذا المنطلق، يقول كثيرون إن هاينكس مظلوم، وهو كلام صحيح، لكن لا يمكن اعتبار أنه بالشيء الجديد في مسيرة هذا المدرب، الذي رافقه الظلم مذ كان لاعباً وانتقل معه بعدما أصبح مدرباً في الـ 32 من العمر. ففي أيامه لاعباً، كان يضاهي «المدفعجي» غيرد مولر حيث سجل 220 هدفاً في 369 مباراة خاضها في «البوندسليغا»، لكن الأول سرق كل الأضواء. وعندما أصبح مدرباً، واجه الظلم في مرحلة أولى مع بايرن ميونيخ تحديداً، إذ إن قيادته للفريق البافاري الى لقبين محليين متتاليين عامي 1989 و1990، لم تشفع له، فقرّر الرئيس التنفيذي في النادي أولي هونيس إقالته، قبل أن يصف هذا القرار بأنه أسوأ خطأ ارتكبه.
كذلك، عاش السيناريو عينه مع ريال مدريد الإسباني، إذ إن الإقالة كانت بانتظاره فوراً بعد قيادته الفريق الملكي الى أول لقب في دوري الأبطال موسم 1997 - 1998 بعد 32 عاماً عجاف، حيث مال الرئيس السابق لورنزو سانز الى اللاعبين المعترضين على صرامة المدرب الألماني الذي أراد إنزال العقوبات بهم على خلفية مخالفة انضباطية كانوا قد ارتكبوها.
صحيح أن يوب هاينكس بلغ الـ 68 من العمر، لكن قراره بالاعتزال قد لا يكون فكرة مقبولة، والسبب أن الرجل، رغم بلوغه هذه السن، يبدو في عزّ عطائه وأفضل من كثير من مدربي ألمانيا وأوروبا، فهو من دون شك سيكون مطلوباً من فرقٍ كبيرة عدة في الصيف المقبل، في الوقت الذي لا يجد فيه كثيرون مشكلة في أخذه سنة راحة، ثم العودة من بوابة المنتخب الألماني بعد مونديال 2014.