ليست المرة الأولى التي يدخل فيها نادي برشلونة الإسباني الغني عن التعريف في عالم كرة القدم على خط الصراع الفلسطيني _ الإسرائيلي، إذ إن الرحلات «شغّالة» بين المدينة الكاتالونية وتل أبيب. فمنذ فترة غير بعيدة، زار الرئيس ساندرو روسيل ونائبه خافيير فوس الأراضي المحتلة، وتنقلوا في زيارة «دبلوماسية _ تجارية» بين مدنٍ عدة. وقبلهما كان المدرب السابق لبرشلونة جوسيب غوارديولا قد لبى دعوة المغنية أشينوام نيني «نوا»، حيث حضر حفلاً لها وبقي في البلاد لمدة أربعة أيام.
هذا ليس كل شيء، إذ إن إدارة «البرسا» أثارت زوبعة من الانتقادات عندما دعت الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط لحضور إحدى المباريات في «كامب نو»، قبل أن يخرج روسيل بفكرة إقامة مباراة تجمع فريقه مع فريقٍ مختلط يجمع لاعبين فلسطينيين وإسرائيليين.
كل هذه المسائل وضعت برشلونة في خانة الاتهام، حيث قال كثيرون بأن النادي الكاتالوني ليس حمامة سلام، بل إن كل ما يفعله هو خدمة لمصالح تسويقية تخصّه، إضافة الى انغماسه في مؤامرة لتلميع صورة العدو الصهيوني في المجتمع الدولي، وتحديداً الرياضي، وذلك بعدما انفضحت الدولة العبرية بانتهاكاتها المستمرة للرياضيين الفلسطينيين.
واللافت أن الاعتراض على خطوات برشلونة باتجاه إسرائيل وآخرها زيارة روسيل، أتت من داخل إسبانيا تحديداً، حيث يوجد 36 مؤسسة متضامنة مع القضية الفلسطينية، وقد اتفقت كلّها على أن ما تفعله إدارة «البرسا» لا يخدم سوى المصالح الإسرائيلية لناحية الاعتراف بإسرائيل على أنها بلد موجود على الخريطة الرياضية كما العالمية.
ورغم كل موجات الانتقاد بحق برشلونة، فإنه معلوم أن النادي الكاتالوني أعطى نفسه دائماً صفة الحيادي في ما خصّ الصراع الفلسطيني _ الإسرائيلي. ولهذا السبب، بادر سريعاً الى دعوة الأسير السابق محمود السرسك الى «كامب نو» بعد الكلام المندّد بدعوة شاليط. وهذه الخطوة كانت امتداداً للمحاولات الحثيثة لبرشلونة من أجل البقاء على علاقة جيدة مع طرفي النزاع. لذا، قام هذا النادي بنشاطات عدة تجمع بين أطفال فلسطينيين وإسرائيليين، وذلك لتسويق السلام والتعايش بين الطرفين المتناحرين.
لكن كل هذه النشاطات لا تشفع لبرشلونة، لأنها تبدو كأنها محاولة من النادي الكاتالوني للدفع نحو التطبيع مع الإسرائيليين، وخصوصاً أنه يغيب عن بال الإدارة أن ما تُقدم عليه إسرائيل يومياً بحق الشعب الفلسطيني يتنافى وكل معايير السلام وحقوق الإنسان، إذ لا يمكن أن يكون قد سقط من الذاكرة مشهد تدمير إسرائيل للملاعب والأندية في فلسطين، وقتلها أربعة أطفال وهم يلعبون كرة القدم خلال هجومها الأخير على غزة، إضافة الى وضعها السرسك في الأسر، وقبله العديد من اللاعبين الذين وضعوا في الزنزانات عن غير وجه حق ومن دون توجيه أي تهم إليهم أو محاكمتهم.
إذاً كل حدث عالمي يُربط بإسرائيل لا يكون سوى محاولة للاعتراف بشرعية الاحتلال ولإظهاره بلداً عادياً مثله مثل أي بلدٍ آخر موجود على الكرة الأرضية، وهو أمر يُتهم به الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أيضاً، إذ إن «يويفا» منح إسرائيل شرف استضافة كأس أوروبا للشباب (اللاعبين دون 21 سنة) في حزيران المقبل، ما جعل عدداً كبيراً من نجوم الكرة يقودهم المالياني فريديريك كانوتيه يوقّعون على عريضة «رفع البطاقة الحمراء بوجه إسرائيل»، مطالبين بمنعها من حق استضافة هذا الحدث.
لكن برشلونة هو الحدث اليوم، ولا يمكن القول إن النادي الكاتالوني هو فاعل خير فقط لا غير، وخصوصاً إذا استعرضنا ما أقدم عليه في كل نشاطاته الفلسطينية _ الإسرائيلية، إذ خلق مبدأ المساواة بين الظالم والمظلوم إن كان في دعوته لشاليط والسرسك أو في مشروعه الأخير المتمثل بجمع لاعبين من الطرفين في فريقٍ واحد.
هل هي حسابات كاتالونية خاصة ترتبط ببحث النادي الكاتالوني عن مصادر تمويل جديدة (قد تكون خفية) في ظل الأزمة المالية التي تضرب إسبانيا بقوة؟
كل شيء يبدو معقولاً، وخصوصاً وسط الإصرار الكاتالوني على تقديم الدولة العبرية الى العالم الرياضي من بوابة ناديها الأشهر، لكن صرخة برشلونة مناداةً بالسلام لا يمكن أن تكون إلا من خلال قطع صلاتها بإسرائيل التي يعرف الكاتالونيون مذاق البطش الذي تمارسه يومياً، وهم الذين عاشوا معاناة مشابهة في زمن حكم الديكتاتور فرانكو.



الاحتلال الفاشي


«من الصعب ان تنفذ مثل هذه المبادرات اذا كان الاحتلال الظالم لنا في كل شيء طرفاً فيها ومهما كانت الاهداف». هذا ما قاله جبريل الرجوب عن المشروع الكروي الاخير لبرشلونة، متهماً الاحتلال الاسرائيلي بممارسة الفاشية في القرن الـ 21»، وهو الذي يرفض الالتزام بالميثاق الاولمبي والقوانين والاخلاق الرياضية والانسانية». واشار الرجوب الى ان الجيش الاسرائيلي كان منع اقامة مباراة ضمن دوري الناشئين لفريقين من مدينة القدس، بقوة السلاح، وقال «هذه دلالة واضحة على حقيقة هذا الكيان».