من تابع مباراة البرازيل وروسيا الودية التي انتهت بالتعادل 1-1، أمكنه اختصار حال «السيليساو» في لقطتين، وهما تحديداً لقطتا الهدفين. في الدقيقة 73: ارتباك برازيلي لا مثيل له أمام الحارس جوليو سيزار، حيث تلاعب الروس بالكرة كيفما شاؤوا بتسديدات عدة، كان ختامها في المرمى بقدم فيكتور فايزولين. أما اللقطة الثانية فهي الدقيقة الأخيرة: تحفة فنية بين هالك ومارسيلو وفريد يختتمها الأخير في المرمى بهدف التعادل.
لقطتان تعبّران عن حال البرازيل اليوم: ارتباك وإبداع. فوضى وانضباط. مرة فوق وأخرى تحت. باختصار: لا صورة ثابتة عن البرازيل قبل حوالى 15 شهراً من المونديال و3 أشهر من كأس القارات اللذين تستضيفهما بلاد البن و«السامبا».
هذا الواقع لا شك في أنه يقلق البرازيليين، وخصوصاً أن «الأوريفيردي» لم يعرف طعم الفوز منذ 16 تشرين الأول الماضي (4-0 أمام اليابان) حيث خسر أمام إنكلترا (1-2) وتعادل مع إيطاليا (2-2) وذلك بعدما كان قد خسر في وقت سابق أمام كل من الكبار: فرنسا والأرجنتين وألمانيا لتكون المحصلة منذ كأس العالم 2010: 36 مباراة (32 ودية و4 في «كوبا أميركا») كان الفوز فيها حليف البرازيليين 21 مرة (كلها أمام فرق من الصف الثاني والثالث) مقابل 7 هزائم و8 تعادلات، إضافة الى المركز رقم 18 في التصنيف الدولي الصادر عن «الفيفا».
في حقيقة الأمر، فإن البرازيليين استبشروا خيراً عند تسلم الخبير لويز فيليبي سكولاري دفة قيادة «السيليساو» خلفاً لمانو مينيزيس الذي أضاع 3 سنوات هباء منثوراً، كان من الممكن خلالها إعداد منتخب البرازيل بأفضل طريقة ممكنة ليكون جاهزاً في مثل هذا الوقت.
على أي حال، فإن قدوم سكولاري الذي ترك ارتياحاً كبيراً في بلاد «السامبا» لم ينعكس بعد على «الأوريفيردي». من هنا، فإن الحيرة لدى البرازيليين بدأت تزداد لتلامس حدود الخوف على الحلم المونديالي، حيث بدأت تتراءى الى الأذهان صورة فقدان اللقب بطريقة درامية في ملعب «ماراكانا» الشهير أمام الأوروغواي عام 1950. في الواقع، لا يمكن تحميل سكولاري أيّ مسؤولية حتى الآن لعدم وصول المنتخب الى «الفورمة» المطلوبة، فالرجل لا يزال حديث العهد وهو، بطبيعة الحال، لا يملك عصاً سحرية لتغيير الواقع بسرعة قياسية، هذا فضلاً عن العمل الكبير الذي يواجهه. «بيغ فيل» يبدو حالياً في صراع على جبهتين في آنٍ معاً: الأولى نفسية والثانية تقنية خططية. فقائد الفوز المونديالي الأخير عام 2002 لا يتوانى في كل ظهور إعلامي له عن رفع معنويات لاعبيه عبر تأكيده أنه سيقدّم فريقاً قوياً في 2014. هذه النقطة تبدو شديدة الأهمية استناداً الى واقع «السيليساو» الحالي. فسكولاري، بما يملك من تجربة غنية، يبدو مدركاً أن ما ينقص البرازيل بالدرجة الأولى هو تلك الهيبة الكبيرة التي كانت سمة منتخباتها على مر الأزمنة، وهذا ما تفتقده بالتحديد حالياً، إذ يبدو «السيليساو» اليوم فاقداً للشخصية القوية التي كان يفرضها على باقي المنافسين، وهذا ما جعل هؤلاء الأخيرين يفتقدون تدريجياً الرهبة التي كانت تنتابهم عند مجرد ذكر اسم: البرازيل. هذا الأمر يبدو أولوياً حالياً بالنسبة الى سكولاري، إلا أنه لا يعني عدم وجود عمل آخر لا يقل شأناً على المستوى التقني والخططي ينتظر الرجل.
ما هو واضح في هذه النقطة أن البرازيل لا تعاني مشكلة جيل، إذ إن المواهب تبدو حاضرة وبكثرة، من أوسكار الى لوكاس ونيمار وهالك ودييغو كوستا وغيرهم، إلا أن هذا الأمر، في الوقت عينه، يبدو «سيفاً ذا حدين». فمن جهة، تبدو الخيارات متاحة وبكثرة بين يدي سكولاري. ومن جهة ثانية، فإن كثرة المواهب تبدو كفيلة بإرباك الرجل لانتقاء الاسماء التي ستشغل خط الوسط تحديداً الذي يعجّ بكم هائل من اللاعبين، إذ فضلاً عن لوكاس وأوسكار وهالك وكاكا، فإن دييغو كوستا وهرنانيس وفرناندو ولويز غوستافو يتبارون لحجز مركز لهم في التشكيلة، وهذا ما أدى في المباريات الأخيرة الى اعتماد بعض هؤلاء اللعب الفردي من أجل إقناع سكولاري بدخول التشكيلة الرئيسية مع اقتراب كأس القارات والمونديال، وما انعكس سلباً على النتائج. من هنا، يبدو سكولاري مطالباً بحسم شاغلي مركز الوسط تحديداً في أسرع وقت ممكن.
أما المشكلة الثانية والتي تبدو مفاجِئة، فهي خط دفاع «السيليساو». إذ فضلاً عن لقطة الهدف الروسي الأخير والذي فضح الارتباك الواضح لدى شاغليه، فإن شباك جوليو سيزار تلقت 7 أهداف في المباريات الأربع الأخيرة، وهذا رقم كبير رغم وجود أسماء مرعبة كدافيد لويز وتياغو سيلفا ودانتي ومارسيلو وداني ألفيش، غير أن النزعة الهجومية للظهيرين هي ما تترك فراغات في المنطقة البرازيلية وتزيد من الأعباء على لويز وسيلفا.
من هنا، يبدو حرياً بسكولاري أن يعمد الى قلب الطاولة برمتها في المواعيد المقبلة بوضع الخطتين 4-3-3 و4-4-2، اللتين اختبرهما حتى الآن، جانباً، واعتماد خطته في مونديال 2002 وهي 3-5-2 حيث يشغل في هذه الحالة الثلاثي القوي لويز وسيلفا ودانتي مركز الدفاع ويتم الاعتماد على ألفيش ومارسيلو كجناحين على غرار الكبيرين كافو وروبرتو كارلوس. «كلمة السر» تبدو حالياً إذاً بين يدَي «بيغ فيل» وحده. لا داعي للقلق الكبير، فالفرصة لا تزال قائمة أمام البرازيل للخروج من قمقمها.