«لم أقطع ساعات طويلة من السفر لكي تعمدوا الى بيعنا». بهذه الكلمات الجريئة توجّه كابتن منتخب لبنان رضا عنتر الى زملائه اللاعبين عندما عَلِم بأمر تلاعبهم باحدى المباريات ضمن الدور الرابع المؤهل لتصفيات كأس العالم 2014. هذه الكلمات عبّرت عن الصدمة المشتركة للاعبين عديدين في المنتخب الوطني عندما اكتشفوا خيانة البعض للأرزة الموضوعة على قميصهم لناحية القلب، وعندما علموا ان البعض عمل على تدمير احلام الآلاف الذين وقفوا خلف المنتخب وتقاطروا الى ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية صارخين بحناجر تملأها الحماسة بأسماء لاعبي المنتخب الذين لم يستأهل بعضهم هذا الشرف.
القصص التي لم تنشر سابقاً كثيرة وبعضها يصيب المرء بالصدمة وبالقرف في آنٍ معاً، اذ لا يمكن تقبّل فكرة ان الجمهور اللبناني كان جالساً على اعصابه امام شاشات التلفزة لمتابعة المباراة التي خسرها لبنان امام كوريا الجنوبية 0-3 في حزيران الماضي، في الوقت الذي كان ينادي فيه لاعب مدافع على زميله المهاجم بعدم التقدّم الى الامام بهذا الشكل بل العودة الى الخلف للمشاركة في المهمة بحيث ان «التعليمة» تقول بأنه يفترض ان يخسر لبنان بنتيجة 0-4 والوقت كان قريباً من النهاية.
رضا عنتر، يوسف محمد، بلال نجارين، زياد الصمد، شكّلوا رأس حربة ضد العمليات الحاصلة وحاولوا قدر الامكان تحميل اللاعبين المسؤولية تجاه ما يقدمون عليه ولم يتأخروا في الاجتماع مع القيّمين في محاولة لاستئصال السرطان الذي اصاب ذاك المنتخب الاستثنائي بنتائجه التي اعطت الامل بأنه يمكن ان يكون لدينا كرة قدم حقيقية وربيع للعبة عانت كثيراً ولا تزال تعاني حتى اليوم.
والصمد نفسه عاش تجربة صادمة في كأس العرب الاخيرة، فهو عشية المباراة امام العراق أُبلغ بعدم خوضه للقاء قبل ان يبدّل المدرب الالماني ثيو بوكير رأيه ويعلمه باشراكه بدلاً من محمد حمود. هذا القرار خربط كل حسابات عملاء مكاتب المراهنات، فتوجّه ثمانية منهم الى الصمد خلال تبديله لملابسه طالبين منه المساهمة بخسارة لبنان بثلاثية نظيفة، فكان ردّ الحارس صارماً وقاسياً على محدثيه متوعداً اياهم بالاسوأ في حال كرروا طلبهم بخصوص موضوعٍ مشابه. وهذا الحديث جرى على مسامع اداري المنتخب فؤاد بلهوان الذي كان متواجداً بالصدفة في دورة المياه. ودورات المياه كانت مركزاً في بعض الاحيان لتوزيع الاموال، وفي احيانٍ اخرى باحات المطارات حيث سُدّدت المبالغ - المكافآت للمتورّطين.
وربما حجم التورّط الذي غطس به محمود العلي ورامز ديوب يفاجئ نوعاً ما، وخصوصاً انه قبل اشهر لم يكن احد ليصدّق ان اللاعبَين المذكورين يمكن ان يكونا الرأس المدبّر لعملية كبيرة من هذا النوع. فاذا تحدثنا عن العلي يكون التوقّف عند اهدافه الحاسمة التي اوصلت المنتخب الى مراحل متقدّمة، وقد تذرّع اللاعب بالفعل بهذا الامر ليبرّئ نفسه مما حصل، وقد كرر هذه الكلمات مراراً منذ اللحظة الاولى التي اوقفه فيها ناديه العهد. الا ان لاعبين كثيرين شهدوا ضد العلي خلال التحقيقات، فقالوا انه كان المشغّل الاول في مسألة التلاعب بنتائج المباريات، وقد حصل بعضهم من خلالها على مبالغ متفاوتة منها البسيط ومنها الكبير. ولم يتوقّف الامر عند هذا الحدّ، اذ يقول لاعبٌ دولي ان العلي حاول تجنيده في غرفة الملابس مقابل جهاز «أيفون».

كذلك، حُكي عن استغلال العلي وجوده في قطر للعلاج من اجل اقناع لاعبي منتخب دون 22 سنة (خلال معسكرهم في الدوحة) بالتلاعب عشية التصفيات المؤهلة الى كأس آسيا، وقد اتصل بمحمد جعفر مرتين، لكن الاخير يؤكد انه رفض التعاون معه. لكن لشريك جعفر في الايقاف لثلاثة مواسم هادي السحمراني قصة في هذا الاطار، اذ يؤكد مصدر من داخل المنتخب المذكور انه تجادل مع المدرب الصربي إيفان فيتانوفيتش خلال احدى المباريات في عُمان طالباً منه اخراج اللاعب من ارض الملعب بعدما بدا جليّاً انه كان يلعب تماماً عكس الخطة او الدور الذي كان منوطاً به.
أما ديوب الذي يصفه مدرب سابق في المنتخب بأنه «أكثر هدوءاً وخجلاً من فتاة مهذبة»، فانه ومنذ تردد اسمه بائعاً وشارياً للمباريات لوّح ببراءته، وهو في حديثٍ خاص مع زميلٍ سابقٍ له في المنتخب عبر احدى شبكات التواصل الاجتماعي، كتب له بأنه يشعر بالغبن بعد كل التضحيات التي قدّمها على ارض الملعب وانه لا يستطيع الاتصال والتكلّم حتى مع افراد عائلته لشدّة تأثره بما يُقال عنه.
24 لاعباً أدينوا، لكن هل هي النهاية؟
سؤال لا يجزم المحققون في اجابتهم عنه، ولا ينفون امكانية قدوم لاعبين مدانين لوضع اسماء اخرى على طاولة الاتحاد اللبناني. تلك الطاولة التي رميت عليها اسماء للاعبين ابرياء كان ذنبهم الوحيد انهم اخذوا مكان اصحاب النميمة في المنتخب او بكل بساطة لانهم ارتكبوا «فاول» ضدهم في احدى الحصص التدريبية على ذمّة احد المحققين.