طال انتظار الجمهور والمتابعين لكرة القدم اللبنانية قبل صدور العقوبات بحق اللاعبين المتورطين في فضيحة التلاعب في نتائج مباريات المنتخبات اللبنانية الخارجية والأندية المحلية المشاركة في كأس الاتحاد الآسيوي. عقوبات جاءت مخيّبة للآمال وأقرب الى الإحباط، حيث كان يُتوقّع أن تكون بحجم الضرر الذي ألحقه عدد كبير من اللاعبين بحق الكرة اللبنانية. لكنها سقطت ضحية الحسابات والتسويات، فكانت نتيجة الانتظار توقيف لاعبين اثنين وإداري مدى الحياة مع عقوبات مالية، وإيقاف لاعبين اثنين أيضاً لثلاثة مواسم وعدم استدعائهم الى المنتخبات الوطنية مدى الحياة، وتوقيف 20 لاعباً للموسم الحالي، أي 8 مباريات فقط، وكذلك عدم استدعائهم الى المنتخبات الوطنية مدى الحياة. كذلك تم رفع توصية بإيقاف مدير نادي العهد علي زنيط موسمين كإداري، ومنعه من العمل كوكيل للاعبين. واللافت أن رئيس لجنة التحقيق فادي زريقات أشار الى أن توصية إيقاف زنيط لا تتعلّق بموضوع التلاعب بل لمخالفته لقوانين الجمع بين صفة إداري والعمل كوكيل للاعبين، إضافة الى الطلب من لاعبيه الخسارة لصالح فريق الجيش السوري ضمن مسابقة كأس الاتحاد الآسيوي، وهو ما أنكره زنيط. لكن هذه التوصية لم ترد في تعميم الاتحاد مع كلام عن رفضها من قبل أعضاء الاتحاد الذين هم غير معنيين به، كما قال عضو اللجنة العليا موسى مكي لقناة المنار.
العقوبات توزعت على عدد من الأندية اللبنانية، حيث كانت «حصة الأسد» لنادي العهد مع توقيف 13 لاعباً في صفوفه، وثلاثة لاعبين من النجمة، ولاعبين اثنين من الصفاء، إضافة الى لاعبين توزعوا على أندية من الدرجة الثانية.
في 26 كانون الأول، قررت اللجنة العليا للاتحاد اللبناني تشكيل لجنة محايدة برئاسة الأردني فادي زريقات للتحقيق في موضوع التلاعب الذي يتضمن مباريات منتخب لبنان في تصفيات كأس العالم وتصفيات كأس آسيا سابقاً ومباريات الأندية اللبنانية التي شاركت في كأس الاتحاد الآسيوي وهي الصفاء، النجمة، العهد، الأنصار والمبرة. فالكلام عن تورط لاعبين في تركيب نتائج مباريات لصالح مكاتب مراهنات خارجية تحوّل الى حقيقة عن وصول هذه الآفة التي تضرب كرة القدم حول العالم والتي أعلن الفيفا إزاءها ما يشبه حالة الطوارئ لمكافحتها.
لجنة التحقيق بدأت عملها في 6 كانون الثاني على مدى 174 ساعة عمل واستمعت الى 65 شخصاً بين شاهد ومتهم يتوزعون على 44 لاعباً و18 إدارياً و3 حكام، وانتهى عملها في 25 شباط الجاري مع تسليم النتائج الى اللجنة العليا للاتحاد التي اتخذت عقوباتها بحق اللاعبين.
الجميع كانوا في انتظار المؤتمر الصحافي الذي عقده زريقات أمس في مقر الاتحاد، حيث سيتم الكشف عن المعلومات وإعلان العقوبات وفقاً لتوصيات لجنة التحقيق. هذه العقوبات جرى تقسيمها على أربع فئات؛ «أ» وهي إيقاف مدى الحياة وغرامة مالية بقيمة 15 ألف دولار، «ب» ثلاثة مواسم و7 آلاف دولار، «ج» موسمين و5 آلاف دولار و«د» الموسم الحالي وألف دولار، لكن اتحاد الكرة كان له رأي آخر، فدمج الفئتين «د» و«ج» لتصبح العقوبات الموسم الحالي وألفي دولار.
ما أن أعلنت العقوبات ونتائج التحقيق حتى ساد نوع من الصدمة أوساط الإعلاميين الذين احتشدوا في مقر الاتحاد اللبناني. خيبة أمل تجلّت في أسئلتهم ومداخلاتهم الحادة حول العقوبات التي جاءت أقل بكثير من حجم الجرم الذي قام به اللاعبون. لم تنفع تبريرات زريقات حول إغواء هؤلاء اللاعبين والتغرير بهم لتعليل تقاضيهم للرشى نتيجة قلة ثقافتهم ومستواهم التعليمي المتواضع وجهل بعضهم كما قال زريقات. فما قام به اللاعبون أصاب لبنان في الصميم على صعيد كرة القدم، و«خيانتهم» ضيّعت أحلام الجمهور اللبناني الذي آزرهم ودعمهم في مشوار التصفيات. فبعض اللاعبين تلاعبوا وباعوا لبنان ومنتخبه، ولولا تواطؤهم لكان حلم وصول لبنان الى المونديال قد تحقق.
اتحاد كرة القدم لجأ الى التسويات ومراعاة الخواطر وحسابات الأندية الضيقة، تحت حجة حماية كرة القدم، وأن موضوع التلاعب جديد على الكرة اللبنانية، إضافة الى التغرير ببعض اللاعبين، وهو ما كرره زريقات في مؤتمره الصحافي. هذا التغرير قد ينطبق على لاعبين صغار، لكن لا يمكن أن ينطبق على لاعبي المنتخب الأول الذي باعوا لبنان في مباراتي كوريا، وخصوصاً التي خسر فيها لبنان 0 - 3، والتي تلت مجموعة من المكافآت المالية التي انهالت على اللاعبين بعد التأهل الى الدور النهائي. قد يكون تخاذلهم في السابق نابعاً من إهمال للمنتخبات الوطنية واللاعبين، لكن بعد الوصول الى الدور الحاسم حيث أصبح لبنان من ضمن أفضل عشر منتخبات آسيوية مع دعم جماهيري واتحادي وإعلامي كبير، من الصعب أن تنحصر عقوبة التواطؤ بثماني مباريات من الدوري المحلي. فأي لاعب يركل خصماً له في المباريات من دون كرة يتعرّض لعقوبة الإيقاف ثلاث مباريات. فهل من المعقول أن يتم إيقاف لاعبين تلاعبوا بنتائج مباريات منتخبهم لثماني مباريات فقط؟
تبرير اتحادي يبرز بقوة دفاعاً عن العقوبات ويرتكز بشكل أساسي الى أن الهدف الأساس كان حماية الكرة اللبنانية عبر الاقتصاص من الرؤوس المدبرة، وإعلان أن موضوع التلاعب هذا أصبح تحت الضوء، وأن أي تكرار سيعرض المتلاعبين لعقوبات قاسية. كذلك فإن النظرة الاتحادية تراعي مصلحة الكرة اللبنانية عبر المحافظة على لاعبين يعتبرهم الاتحاد أخطأوا عن جهل أو عدم إدراك. أما النقطة الأبرز التي يصرّ عليها معظم أعضاء الاتحاد فهي أنهم لم يتدخلوا في العقوبات، لا من قريب أو من بعيد، والتزموا بتوصيات لجنة التحقيق.
لكن اللافت في عقوبات الاتحاد أنها جاءت في مصلحة الأندية أكثر مما جاءت في مصلحة المنتخب، إذ إن جميع اللاعبين لن ينضموا الى المنتخب ثانية، لكنهم سيعودون الى أنديتهم، ما يعني أن منتخب لبنان هو الخاسر الأكبر مما جرى، ورغم ذلك جاءت العقوبات مخففة بحق من تلاعب بنتائجه.
الأمر الإيجابي في ما نتج من عمل لجنة التحقيق هو التوصيات المتعلقة بمستقبل كرة القدم، ومنها تطبيق منظومة الاحتراف الذي يحمي اللعبة، وتشكيل لجنة قضائية تختص بشؤون اللاعبين. ومن التوصيات أيضاً استحداث دائرة تعنى بأمور المراهنات والتلاعب والتحري عن مكاتب المراهنات التي تعمل في لبنان.
لكن هذه التوقيفات لن تكون ختاماً للملف، إذ إن بعض اللاعبين الموقوفين قد يتخلون عن صمتهم ويكشفون أسراراً قد تكون تداعياتها أكبر بكثير ممّا جرى كشفه، خصوصاً إذا ما راجع بعضهم حساباته. فأحد اللاعبين الموقوفين حتى نهاية الموسم الحالي لديه معلومات تطال لاعبين كباراً من أندية مختلفة، وهو شاهد بعينيه زملاء له يتقاضون مبالغ مقابل التلاعب. فالاجتماعات كانت تحصل في موقف سيارات «السبينس» على الجناح، حيث كان لاعبو فرق شاركت في كأس الاتحاد الآسيوي يلتقون بممثل مكتب المراهنات ويقومون بتركيب النتائج وقبض الأموال. أضف الى ذلك ما كان يجري من أحاديث حول الأموال المدفوعة. فلو كشف هذا اللاعب ما قاله لـ«الأخبار»، لكان هناك توقيفات بحق لاعبين أكثر مما صدرت عقوبات بحقهم. وهذا يتوقف على مدى رغبة الأندية في معرفة الحقيقة، علماً بأن نادي الأنصار هو الوحيد الذي لم يتم توقيف لاعبين فيه. إلا أن المعلومات تفيد بأن اللاعب محمد باقر يونس الذي انتقل من الأنصار الى العهد كان على خلاف مع عدد من زملائه السابقين في الأنصار نتيجة عدم التزامه بما تم الاتفاق عليه في مباريات ضمن كأس الاتحاد الآسيوي.
عقوبات أمس لم ترقَ الى حجم الخطأ، لكنها قد تمثّل حافزاً لكشف ما هو أخطر وأكبر، وحينها يمكن اعتبار أن كرة القدم اللبنانية في طريقها نحو تنظيف نفسها.



بداية التطهير: وقف 24 لاعباً وإدارياً واحداً

اتخذ الاتحاد اللبناني لكرة القدم العقوبات التالية حول موضوع التلاعب:
1 - شطب الإداري في نادي العهد والمترجم في عداد الجهاز الإداري لمنتخب لبنان الوطني فادي فنيش من سجلات الاتحاد وأندية كرة القدم مدى الحياة، ومنعه من مزاولة أي عمل رياضي مدى الحياة، ومنعه من دخول الملاعب وتغريمه مبلغ 15000 دولار.
2 - إيقاف كل من اللاعبين: محمود العلي ورامز ديوب عن ممارسة أي نشاط يتعلق بكرة القدم مدى الحياة، وتغريم كل منهما مبلغ 15000 دولار.
3 - إيقاف كل من اللاعبين: محمد جعفر (الصورة) وهادي سحمراني عن ممارسة لعبة كرة القدم لثلاثة مواسم رياضية متتالية اعتباراً من الموسم الرياضي الحالي 2012 ـــ 2013 وتغريم كل منهما مبلغ 7000 دولار وعدم استدعائهما إلى المنتخبات الوطنية مدى الحياة.
4 - إيقاف كل من اللاعبين الآتية أسماؤهم عن ممارسة لعبة كرة القدم لموسم رياضي واحد اعتباراً من الموسم الرياضي الحالي 2012 ـــ 2013 وتغريم كل منهم مبلغ 2000 دولار وعدم استدعائهم إلى المنتخبات الوطنية مدى الحياة، وذلك على النحو الآتي:
علي بزي، علي فاعور، أحمد زريق، حسن مزهر، عباس كنعان، محمد حمود، محمد أبو عتيق، حسين دقيق، سامر زين الدين، حسن علوية، محمد باقر يونس، علي السعدي، عمر عويضة، عيسى رمضان، طارق العلي، أكرم مغربي، نزيه أسعد، بشار المقداد، حسين شريفة، أحمد يونس.
وسوف يرفع الاتحاد اللبناني لكرة القدم خلاصة التقرير وأسماء المتورطين إلى الاتحادين الدولي والآسيوي لكرة القدم لكي يقوم كل منهما بدوره في اتخاذ الإجراءات والعقوبات اللازمة في هذا الشأن.
كما سيرفع الاتحاد خلاصة التقرير وأسماء المتورطين إلى وزارة الشباب والرياضة لكي تقوم بدورها باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
وأكد الاتحاد اللبناني جازماً أن هذه الخطوات ما هي إلا بداية لخطة التطهير التي سيواكبها الاتحاد من الآن فصاعداً، وأنه سوف يضرب بيد من حديد أية محاولة احتمالية مقبلة لمثل هذه الأعمال التي من شأنها أن تسيء إلى لعبة كرة القدم بشكل عام وإلى الكرة اللبنانية بشكل خاص. كما شدد على أن كل مَن يخطئ بحق الكرة اللبنانية سوف يحاسب ويُدان.
وتمنى الاتحاد من جميع الأندية والإداريين واللاعبين وغيرهم أن يأخذوا العبر وأن يتحلوا بأعلى درجات المسؤولية والوعي وأن يقفوا يداً بيد وبكل وطنية مع الاتحاد من أجل مكافحة أي نوع من أنواع المراهنات ودرء أخطارها، وذلك بهدف حماية اللعبة واستمراريتها.