غوارديولا إلى مانشستر يونايتد، لا هو يتفاوض مع مانشستر سيتي، لا بل إنه سيرضخ لإغراءات تشلسي أو عراقة ميلان.
كل هذه المعادلات سقطت أمس، وفاز العملاق الصامت بايرن ميونيخ بأفضل مدربٍ في العالم بعدما اعتمد سياسة «السارق» مجدداً بعمله في الخفاء ومن دون إحداث أي ضجة.
مرة جديدة يقف بايرن عملاقاً ضارباً لطموحات كبارٍ آخرين، إذ ليست هي المرة الأولى التي يحقق فيها انتصاراً في مكاتبه الإدارية، فقد سبق له في الأعوام الأخيرة أن أتمّ صفقات على حساب أندية تفوقه تبذيراً في سوق الانتقالات. ومن هذه الصفقات ضمّه النجم الهولندي أريين روبن وقبله الفرنسي فرانك ريبيري والحارس الدولي مانويل نوير، ثم أخيراً الإسباني خافي مارتينيز. البايرن لا يقبل الفشل حتى في المكاتب، وهو لهذا السبب كان قد استغنى عن صاحب فكرة استقدام غوارديولا الى مقاطعة بافاريا، أي المدير الرياضي السابق كريستيان نرلينغر الذي دفع ثمناً لإهداره فرصة استقطاب سامي خضيرة ومسعود أوزيل والبرتغالي فابيو كوينتراو الذين ذهبوا الى ريال مدريد الإسباني. وجاء أفضل لاعب في أوروبا سابقاً ماتياس سامر مع مهمة واحدة وهي إيجاد البديل المثالي للمدرب الحالي يوب هاينكس المتجه الى الاعتزال، لينجح مع المحنّكين أولي هونيس وكارل هاينتس رومينيغيه في إقناع «بيب» بتعلّم الألمانية.
لكن، لماذا تجاهل غوارديولا العروض الأخرى وقبل عرض بايرن ميونيخ؟
سؤال جدير بالطرح، والجواب عنه يمكن أن يستقيه المرء من التشابه الكبير بين النادي السابق للمدرب الكتالوني أي برشلونة وناديه المستقبلي. فما يمكن توضيحه أن «بيب» يحب الشعور بالاستقرار، وهذا ما يوحي به بايرن الذي لا يعرف أحد سرّه حتى الآن في إقناع نجومه بالبقاء معه ورفض عروضٍ ضخمة من أندية عظيمة. وهنا يضرب المثل بريبيري الذي حام حوله ريال مدريد ومانشستر يونايتد وتشلسي وغيرهم مراراً، إلا أن شعوره بالراحة أبقاه في ميونيخ.
وتطول اللائحة في هذا الإطار، وقد أثمرت الاستراتيجية الإدارية نجاحات لافتة محلياً وأوروبياً، كان آخرها بلوغ بايرن نهائي دوري الأبطال مرتين في ظرف ثلاث سنوات، رغم أنه لم يبذّر في سوق الانتقالات بنفس الحجم الذي صرف فيه خصومه الكثيرين.
وفي بايرن، يعرف غوارديولا أنه سيجد نفس الأرضية التي يمكنه البناء عليه لإصابة النجاحات والإنجازات، تماماً كما فعل في «البرسا»، فالرجل عُرف عنه عدم نزعته لإبرام صفقات بمبالغ ضخمة، وهو الأمر الذي يطبع سياسة إدارة بايرن الذي يعدّ أحد أكثر الأندية استقراراً على الصعيد المالي بفعل أرباحه السنوية. وفي موازاة هذا الأمر، سيلمس غوارديولا أن بإمكانه العمل وفق فلسفته الخاصة التي تعتمد على الوافدين من الأكاديمية، حيث يعدّ بايرن رائداً في هذا المجال، والدليل أن الرموز الأساسية للتشكيلة الحالية تخرّجوا من مدرسة الفريق البافاري.
ومن هذا المنطلق بإمكان غوارديولا أن ينقل الأسلوب الذي فشل في زرعه مدرب برشلونة السابق الهولندي لويس فان غال في بايرن بين عامي 2009 و2011، وهو أسلوب الـ«تيكي تاكا» الذي بدأ «الهولندي الطائر» يوهان كرويف بتلقينه لمدربي «البرسا» منذ 1988 حتى وصول «بيب» الى التدريب عام 2008. وهذا الأسلوب قابل للترجمة في ميونيخ كون الفريق يضم عناصر، وتحديداً في خط الوسط، وصلوا الى قمة مستواهم أو يسيرون في مستوى تصاعدي، أمثال باستيان شفاينشتايغر وطوني كروس، والقادم الجديد مارتينيز الذي حاول غوارديولا جلبه سابقاً الى برشلونة، ثم أوعز الى خليفته تيتو فيلانوفا باستقدامه بعد رحيله، قبل أن يحطّ الأخير في بافاريا، في صفقة قيل إن «بيب» كان وراءها، ما اعتبر أول إشارة لقدومه الى بايرن ميونيخ.
إذاً، سيجد غوارديولا في بايرن كل ما يتمناه لطرح أفكاره وتنفيذها، وهي مسألة لم يكن ليتمكن من ترجمتها في الأندية الأخرى التي خطبت ودّه، رغم الأموال الموجودة فيها لتأمين كل ما يريد.
في نيسان 2009، كان غوارديولا المخطّط الأول في عملية تدمير بايرن 4-0 في «كامب نو»، ضمن الدور ربع النهائي لدوري الأبطال (تعادلا 1-1 إياباً)، في طريقه لقيادة برشلونة الى اللقب القاري. وفي الشهر المذكور، قرّر بايرن مصيره بيده ووضع عينه على المدرب الشاب، والأكيد أن نتيجة المواجهة المقبلة للطرفين، في حال حصولها، ستكون مغايرة تماماً لأنه بكل بساطة لقد تغيرت قواعد اللعبة لأن «بيب» أصبح يجلس في المقعد المقابل.



الخاسرون والرابحون

يمكن إحصاء عدد من الخاسرين والرابحين من خلال صفقة انتقال غوارديولا إلى بايرن ميونيخ. فأول الخاسرين هو مانشستر يونايتد الذي رأى في الرجل الخليفة المناسب لأليكس فيرغيسون. وبعده يأتي مالك تشلسي رومان أبراموفيتش الذي اعتاد الحصول على كل ما يريده، ثم مانشستر سيتي غير المقتنع بمدربه روبرتو مانشيني. أما أهم الرابحين، فهما إلى بايرن وغوارديولا، مدرب تشلسي الحالي رافايل بينيتيز الذي قد يبقى في منصبه، وجوزيه مورينيو الذي سيعود المدرب الأكثر طلباً في العالم.