ثمة في كرة القدم وجه مظلم. ليس كل ما في هذه اللعبة مدعاة للإعجاب والإبهار، إذ إن الكرة تظلم أحياناً. يهتم غالباً عالمها بالمظاهر والعناوين البراقة. فلنأخذ مثلاً كم تظهر أسماء الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو والويلزي غاريث بايل والبرازيلي نيمار على مدار 24 ساعة؟ عشرات، لا بل مئات المرات على امتداد العالم. أصبح هؤلاء في اليوميات، أما من سبقوهم وباتوا الآن في خريف العمر، فإنهم أصبحوا على الهامش، في غياهب النسيان، إذ إن «وقودهم» قد نفد، ولم يعودوا مثيرين للاهتمام.
الحديث هنا ليس عن لاعبين اتجهوا إلى ملاعب الدوري الأميركي للمحترفين او الأوسترالي أو الكندي أو الصيني أو اخيراً الهندي، إذ إن هؤلاء، ولدواع تسويقية، تبقى الأضواء مسلّطة عليهم، ويبقون يحصلون على مبالغ مهمة، بل المقصود هنا لاعبون بقوا أوفياء للعبة لا طمعاً بمال أو بحثاً عن استجمام وسياحة، بل لعشقهم لها حيث لم يتوان بعضهم عن ارتداء قمصان فرق متواضعة والتغرّب في بلدان بعيدة مقابل مبالغ زهيدة، لا لشيء، سوى لمواصلة تنشُّق هواء ملاعب الساحرة المستديرة.
هؤلاء اللاعبون هم بالتحديد أولئك الذين حين يعلم المتابع - غالباً بالصدفة - أنهم لا يزالون في الملاعب، وإذ به يُصاب بالتعجب والدهشة.
هل تذكرون ألفارو ريكوبا؟ بالتأكيد لا يمكن أحداً يعشق الكرة أن ينسى هذا النجم الأوروغوياني الذي أبدع أيما إبداع في فريق إنتر ميلانو بتميزه بالتسديدات، تحديداً عبر الركلات الثابتة، ومثل ثنائياً لامعاً مع «الظاهرة» البرازيلي رونالدو، لكن ما لا يعلمه كثيرون ان هذا اللاعب لم يهجر المستطيل الأخضر برغم بلوغه الـ 39 عاماً. هناك، في بلاده الأوروغواي ابتعد ريكوبا عن الأضواء مستمتعاً تحت شمس مونتيفيديو بلعب الكرة في صفوف فريق ناسيونال، وقد سجل هدفاً رائعاً «على طريقته» من ركلة حرة قبل فترة في المباراة أمام بينارول في الدوري المحلي.
ومن الأوروغواي إلى الجارة البرازيل،
واصل بعض النجوم لعبهم رغم انتقالهم لفرق صغيرة

حيث يمكننا أن نعثر على النجم زي روبرتو، صاحب الصولات والجولات مع بايرن ميونيخ الألماني. لاعب وسط «السيليساو» السابق لا يزال في الميدان مصرّاً على عدم الاعتزال. لم يتعب زي روبرتو، البالغ 40 عاماً، بعد، حيث فاجأ الجميع قبل أيام بالانتقال من غريميو إلى بالميراس في ولاية ساو باولو بعقد لمدة عام.
وفي البرازيل أيضاً، لكن في بورتو ألليغري وتحديداً في فريق إنترناسيونال، لا يزال المدافع الشهير في صفوف باير ليفركوزن الألماني وروما الإيطالي، خوان، يمتلك الطاقة في الـ 35 من عمره للوقوف بوجه المهاجمين كما فعل ذلك في شبابه.
وبينما عاد زي روبرتو وخوان إلى البرازيل، فإن مواطنهما «العجوز» الآخر، الدولي السابق سيسينيو (34 عاماً) الذي لعب لريال مدريد الاسباني وروما، لا يزال في ملاعب أوروبا وتحديداً في تركيا مع سيفاسبور.
أما في إنكلترا، فقد أوردت التقارير أخيراً نبأ انتقال الدولي السابق إميل هيسكي (36 عاماً) إلى بولتون وندررز في دوري الدرجة الثانية بعد تجربة قصيرة في ملاعب اوستراليا. في بولتون، بات هيسكي حالياً يمثل ثنائياً مع المخضرم الآخر، الإيسلندي أديور غوديونسن، الذي يبلغ السن ذاتها. يبقى أن الدولي الفرنسي السابق فلوران مالودا أيضاً لا يزال مصراً على لعب الكرة، وقد عاد حاملاً أعوامه الـ 35 إلى بلاده ليرتدي قميص متز، اما في ألمانيا، فإن الدولي السابق جيرالد أسامواه لا يزال يواصل مشواره برغم أعوامه الـ 36 وبرغم أنه يلعب في الفريق الثاني لشالكه، بينما اختار الدولي السنغالي السابق، الحجي ضيوف (34 عاماً)، الانتقال إلى ملاعب ماليزيا مع فريق ساباه.
من ريكوبا إلى الحجي ضيوف نجوم أثروا الملاعب «في عزّ الشباب» بسحرهم وفنياتهم، فكانوا العنوان والحدث، اما الآن، فها هم في «شيخوختهم» في الملاعب باتوا خارج الصورة التي لم يعد إطارها البرّاق يستوعبهم. باتوا على الهامش، لكنه هامش جميل، إذ هناك، على الأقل، يستمتع هؤلاء بلعب الكرة، بهدوء، بعيداً عن ضوضائها.