هو أحد تلك الأيام التي يكون فيها أول خبر تقرأه حزيناً، إذ غالباً ما يترك اعتزال أحد أساطير كرة القدم «حرقة» في القلب عند استذكار عدد المباريات التي لم يتمكن أحدهم من متابعتها، فأضاع عليه فرصة الاستمتاع أكثر بنجمٍ لا يتكرر.تييري هنري هو أحد أولئك النجوم الذين لا يتكررون. أحد أولئك الذين يتركون حسرة كبيرة، وهي حسرة تشعرهم بواقعية الحياة وفق القول الشهير «لكل شيء نهاية».

يوم اعتزال هنري يشبه أياماً كثيرة عرفها محبو الكرة الجميلة وعشاق النجوم الخالدون. يومٌ يشبه اعتزال «أسطورة» أخرى جاورت «تيتي»، وهو النجم الهولندي دينيس بيرغكامب.
صحيح أن صاحب القميص الرقم 12 الشهير مع المنتخب الفرنسي الذي أحرز معه كأسي أوروبا والعالم، وحامل القميص الرقم 14 مع أرسنال، لن يكون بعيداً من المعشّب الأخضر، لكونه سيعمل مع قناة «سكاي سبورتس» في لندن التي شهدت على إبداعاته، إلا أن الكل سيشعر ببرودة بعده عن الكرة، لأن حرارة هنري تكمن في لمحاته المثيرة ولقطاته الساخنة وأهدافه الخرافية.
الكلام عن اللقطات والأهداف يفرز آلاف الكلمات عن هنري، إذ هي كثيرة محطات التألق التي تركت أثراً في الذاكرة ومشهداً لا يمكن نسيانه.
صاحب الأهداف الـ 175 مع أرسنال، عرف مجده هناك في «هايبيري»، أي الملعب القديم لفريق «المدفعجية»، ثم في «استاد الإمارات» الذي أعاده إليه الحنين قبل عامين لفترة وجيزة. ومن قلب هذه الأهداف مشهدٌ من الذاكرة لا يمكن محوه،
هنري هو أفضل مهاجم أجنبي عرفته ملاعب إنكلترا

وكان عام 2000 في لقاء قمة جمع بين أرسنال ومانشستر يونايتد، حيث لم يكن «الأمير» الفرنسي قد سجل في ست مباريات، في أطول سلسلة «صيام» له عن الأهداف منذ افتتاحه لرصيده التهديفي مع «الغانرز». لحظة جنون أو عبقرية أو إبداع. لحظة يصعب فيها الوصف لما فعله عندما تلقى كرة من مواطنه جيل غريماندي على مشارف منطقة الجزاء فلعبها لنفسه ليسددها «على الطاير» بطريقة خادعة وقوية من فوق مواطنه الآخر الحارس فابيان بارتيز. لقطة لم يقدر على وصفها مدرب «الشياطين الحمر» السير الاسكوتلندي أليكس فيرغيسون، إذ قال: «لم أصدق ما فعله».
أفضل مسجل في صفوف المنتخب الفرنسي في حملته الناجحة في مونديال 1998، لا يرتبط اسمه إلا بأرسنال، إذ صحيح أنه مرّ في موناكو ويوفنتوس الإيطالي وبرشلونة الإسباني، لكن ما خلّده هو تألقه في الـ«بريميير ليغ»، وهو أمر لم ينسه النادي الإنكليزي بتشييده تمثالاً له في استاد الإمارات» يجسّد احتفاله الرائع بهدفه أمام الغريم التقليدي توتنهام هوتسبر عام 2002.
وبنظر الكثيرين، يعدّ هنري أفضل مهاجمٍ أجنبي مرّ على الدوري الإنكليزي الممتاز، والأكيد أنه الأفضل في العصر الحديث، رغم وصول أسماء كبيرة للتهديف في ملاعب إنكلترا، من الهولندي رود فان نيستلروي سابقاً ووصولاً إلى مواطنه روبن فان بيرسي في أيامنا هذه، والأرجنتيني سيرجيو أغويرو الذي بفعاليته هذا الموسم يذكرنا كثيراً بالنجم الفرنسي.
هنري أفضل منهم كلهم، لأنه كان يتعب على أهدافه، كان يصنعها بنفسه، ويحتفل بها بطريقته الخاصة. هو قبل كل شيء كان جريئاً على أرض الملعب بحيث تملؤه الثقة المجبولة بالموهبة الفذة، وقد قدّمها إلى العالم في مناسبات عدة، منها عام 2004 بتسجيله «هاتريك» رهيب في مرمى ليفربول، مانحاً فريقه فوزاً عزيزاً 4-2.
واللافت أن هنري كان مميزاً حتى في أسوأ أيام أرسنال ومواسمه، فهو كان يظهر دائماً بصورة البطل، المنقذ، والمذهل. وربما هدفه في مرمى ريال مدريد (1-0) عام 2006 في دوري أبطال أوروبا حيث كان «المدفعجية» يعانون محلياً، يحكي عن الكثير مما تحدث عنه مدربه السابق أرسين فينغر دائماً: «لا يمكنك أن تفكر في أي فوزٍ عظيم من دون تييري هنري». عامذاك أنهى هنري أزمة إنكليزية قديمة، بحيث لم يعرف الإنكليز قبلها طعم الانتصار في «سانتياغو برنابيو».
يطول الكلام عن تييري هنري، وسيطول أكثر مع الأجيال القادمة، لكن ببساطة لن يعرف أحد قيمته الفعلية إلا إذا شاهده يلعب.