يوماً بعد آخر، يتضح أكثر سبب التراجع المخيف في مستوى ونتائج ليفربول الإنكليزي هذا الموسم، مقارنة بالموسم الماضي الرائع. يوماً بعد آخر، تتأكد العلّة التي ضربت الجسد الأحمر ليضمحلّ على نحو كبير بعدما كان في كامل توهّجه ونضارته قبل أشهر معدودة. يوماً بعد آخر، يتضح كم خلّف ذاك الأوروغوياني من أثرٍ في ليفربول. كم فقدت المدينة كلها، وليس ملعب «أنفيلد رود» التاريخي وحده، من رونقها في غيابه... لويس سواريز ماذا فعلت بليفربول؟
نعم، سواريز، ومن دون مبالغة، هو السبب في كل المشهد الليفربولي المحزن هذا الموسم. في كل الهزائم والخيبات من احتلال «الريدز» المركز التاسع حالياً في الدوري الإنكليزي الممتاز الى خروجه المخيّب من دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا بعد فشله في تحقيق الفوز على ملعبه التاريخي في المباراة الأخيرة أمام بازل السويسري، وذلك رغم التعاقدات الكثيرة وفي مقدمها الإيطالي ماريو بالوتيللي لتعويض رحيله.
فلنقف بالتحديد عند هذه المباراة التي يمكن أن تنقل لنا حقيقة اختلاف مشهد ليفربول مع سواريز ومن دونه. تُرى، لو كان الأوروغوياني موجوداً أمام بازل هل كان «الريدز» ليفشل في تحقيق الانتصار؟ منظر ملعب «أنفيلد» الملتهب في الدقائق الأخيرة بحثاً عن هدف بعد إدراك التعادل وشخصية الأوروغوياني، قبل مهاراته وقدراته التهديفية الرهيبة، التي تدب الحماسة في عروق الجسد الليفربولي ككل حتى آخر لحظة، تحيلنا إلى حتمية أن ليفربول كان سيقتنص معه، لا محالة، هدف التأهل.
ما فقده ليفربول في انتقال سواريز الى برشلونة الإسباني هو هنا بالضبط. «الريدز» خسر معه ذاك اللاعب الذي كان يملأ أرجاء ليفربول حماسة وأملاً حتى الرمق الأخير، وحتى في أحلك الظروف. فقد معه اللاعب الذي، بلمحة واحدة، يقلب الأمور رأساً على عقب.
تتالت هزائم
وخيبات ليفربول
بعد رحيل سواريز
المسألة هنا تتعدى الخسارة الفنية لنجم مهاري وموهوب وربما لا يضاهيه أحد في العالم حالياً في قدراته الهجومية، وفي أن رحيله أثّر حتى على خطط المدرب الإيرلندي الشمالي براندن رودجرز فحسب، بل إلى فقدان اللاعب الملهم. نعم، ودون مبالغة، ورغم قضائه أربع سنوات في قلعة الـ»آنفيلد» فقط، فقد تحوّل سواريز إلى ملهم لجماهير ليفربول. أصبح سواريز، وبلمح البصر، جزءاً لا يتجزأ - على الأقل في العصر الحديث للكرة - من «أنفيلد»، لا بل من مدينة ليفربول كما لم يفعل قبله لاعب في هذه الفترة الزمنية القياسية. بات هذا الشاب المولود في مدينة سالتو الأوروغويانية حاضراً مع سكان ليفربول ممن يناصرون «الريدز» في قهوة صبحهم وعلى جدران شوارعهم وفي أحلام نومهم. كيف لغيابه أن لا يترك فيهم هذا الأثر، وهم رأوا بأمّ الأعين دموعه تنهمر في ليلة ضياع «الحلم الكبير» بالعودة إلى منصة التتويج في «البريميير ليغ» بعد التعادل أمام كريستال بالاس 3-3، في المرحلة قبل الختامية للموسم الماضي عندما أخفى سواريز رأسه في قميصه وراح يجهش بالبكاء كما لو أنه ابن هذه المدينة، فيما كان ابنها الفعلي، القائد ستيفن جيرارد، يواسيه وعلامات التأثر واضحة على محياه؟
نعم، صدقوا أن لاعباً يبدّل حال مدينة برمتها، ولو كان من أقاصي الأرض. كأنه القدر في هذه الكرة أن تكون علاقة مدن أوروبا العريقة بهذه الكيفية مع لاعبين من خلف المحيط، من أميركا الجنوبية. قبل سواريز، عاشت مدينة ميلانو الإيطالية وفريقها الأزلي آي سي ميلان موقفاً مشابهاً عندما غادرها ابنها المدلل البرازيلي كاكا الى ريال مدريد الإسباني حيث فقد الفريق لمعانه وذاب سريعاً، وكذا الحال قبله مع نابولي الإيطالية والكبير دييغو مارادونا، وهذا ما يُتوقّع أن يحصل عند انتهاء مشوار مواطن الأخير ليونيل ميسي مع برشلونة الإسبانية.
ثمة سحر عند هؤلاء النجوم ألقوه على هذه المدن وقلبوا كيانها، ثمة عاطفة وأحاسيس لا تقدر بما في الدنيا سبغوها عليها، وأضحوا نبض قلوبها.
غداً، يتجه ليفربول إلى مدينة مانشستر الغريمة ليواجه الخصم الأزلي يونايتد منكسراً وهو في أسوأ حال، بينما سواريز يلعب في برشلونة. سيتذكّر، لا شك، مشجعو «الريدز» إزاء واقعهم هذا وبمناسبة مواجهتهم يونايتد المباراة الأولى لسواريز معهم ضد الغريم الأزلي في السادس من آذار 2011 عندما تلاعب بـ»الشياطين الحمر» وصنع هدفين خياليين قادا الى الفوز 3-1 وخرج حينها على وقع تصفيق وصافرات لم يشهدها قبلاً ملعب «آنفيلد»، وطبعاً سيتحسّرون ويدمعون، هم الذين يرون فريقهم من دونه، على عكس أغنية ليفربول الشهيرة، يمشي وحيداً.
أفراح سواريز حالياً بأهدافه مع برشلونة تعكس أتراحاً هناك في ليفربول.