"ما هي إسرائيل؟ هل تقصد أن تقول فلسطين؟". هذا التعليق كان من بين التعليقات التي احتلت الصفحة الرسمية للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، لاعب ريال مدريد الإسباني، على موقع "تويتر"، في ردّ على تغريدته حول الإعلان الترويجي الذي ظهر فيه لشركة اتصالات إسرائيلية وأرفقه بشريط مصوّر، قائلاً: "هناك شائعات تقول إنني سأصبح نجماً في إسرائيل، لكن ليس في الكرة بل في إعلان HOT"، كما ظهر "الدون" في الإعلان وهو يقول بالعبرية: "يا روحي".
هكذا، لم يتحمل كثير من متابعي رونالدو الفلسطينيين والعرب على موقع "تويتر" هذه التغريدة لنجمهم المفضّل، فانهالوا عليه بالانتقادات والسخط مقابل تغريدات إسرائيلية ترحّب بما فعله "سي آر 7" وتباركه، كالقول له في تعليق مثلاً: "نحن في إسرائيل نحبك".
حسناً فعل المتابعون الغاضبون على صفحة النجم، وهذا ما كان متوقعاً ومطلوباً، لكن يجدر هنا توضيح الصورة أكثر.
وبما أن الحديث عن رونالدو، فالبداية من اللاعب نفسه حيث يجدر التذكير هنا بأن هذا النجم بالذات ظهر قبل فترة في إعلان لوجبة مأكولات شهيرة تحدث فيه بالعربية قائلاً إن هذه الوجبة "طعمها عجيب"، حيث لم يتوان كثيرون حينها عن التهليل للاعب، تماماً كما كانت الحال عندما جرى التداول في أنه قدّم تبرعاً بـ1,5 مليون دولار لأطفال غزة، وهو خبر لم تتأكد صحته.
تستثمر إسرائيل النجوم والفرق والأحداث المهمة لمصلحتها

المسألة هنا لا تتمحور حول رونالدو وغيره من النجوم والفرق الكبرى، إذ إن هؤلاء يبحثون عن مصلحتهم غير مبالين بالسياسة. وكما أنهم يشاركون في إعلان عربي، فإنهم يشاركون أيضاً في إعلان عبري. نقطة الارتكاز هنا هي في العدو الإسرائيلي واستثماره "عن سابق تصور وتصميم" قدر المستطاع لنجومية هؤلاء وللأحداث المهمة، من أجل ترسيخ وجوده وتالياً نقل صورته "الحضارية" للعالم كافة.
الأمثلة كثيرة في هذا الإطار، من رفع لاعب منتخب غانا جون بانتسيل العلم الإسرائيلي في الملعب بعد فوز بلاده على تشيكيا في مونديال 2006، وقد أكد لاحقاً أن جماهير ناديه هابويل تل أبيب طلبت منه القيام بهذا الفعل. وبالحديث عن العلم، فإن الملاحظ أن الإسرائيليين يولون اهتماماً دائماً برفع علمهم في المباريات والأحداث المهمة، لتكون واضحة للعيان أمام شاشات العالم، فضلاً عن زيارة "الظاهرة" البرازيلي رونالدو للأراضي المحتلة والتقاطه صوراً مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز حاملاً قميص منتخب إسرائيل، والتي تم نشرها على نطاق واسع تماماً كصور جيرار بيكيه وزوجته المغنية الكولومبية شاكيرا مع جنود الاحتلال خلال زيارتهم تل أبيب، وصور لاعبي برشلونة في هذه المدينة، وفي مقدمهم الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرازيلي نيمار، وهما معتمران القلنسوة أمام حائط البراق، فضلاً عن تبادل الكرة في الملعب بين بيريز وميسي والصور التذكارية للأخير مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أضف إلى ذلك زيارة بيريز لمقر ريال مدريد والتقاطه الصور التذكارية مع طاقم الفريق، وصولاً إلى تنظيم الكيان الإسرائيلي بطولة كأس أوروبا للشباب والترويج لصورة حارس المنتخب الإسباني وقتها ديفيد دي خيا بجانب العلم الإسرائيلي.
أمثلة لا تنتهي تظهر الاهتمام الإسرائيلي الشديد بهذا الجانب وتجنيد وسائل إعلامه لنقله إلى العالم من أجل استثماره لما فيه مصلحة إسرائيل، وهذا ما تُرجم مثلاً بموافقة الأوروبيين على استضافة الكيان العبري بطولة أوروبا للشباب.
لكن هذا لا يمنع من أن ثمة أصواتاً لنجوم، على قلتها، تدرك جيداً انطلاقاً من إنسانيتها حقيقة إسرائيل ولا تقبل حتى فكرة التسويق لها - ولو عن غير علم أو قصد - بل على العكس تظهر العداء لها. ولنا هنا في "الأسطورة" الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا مثالاً عندما ارتدى في إحدى المرات الكوفية الفلسطينية وقال: "نعم أنا قلت إنني مؤيد للشعب الفلسطيني وأتشرف بزيارة أراضيه، وأنا المشجّع الأول لقضيته العادلة". وفي هذا الإطار يمكن وضع النجم التشيلياني أرتورو فيدال، لاعب بايرن ميونيخ الألماني، الذي وجّه في إحدى المرات رسالة للشعب الفلسطيني في صفحته على "فايسبوك" قال فيها: "لا لإسرائيل، لا للصهيونية، فلسطين حرة نريد ديمقراطية في كل العالم".
هي مبادرات، رغم أهميتها، إلا أنها تبقى فردية من النجوم وصغيرة إزاء الاستثمار الإسرائيلي الكبير لعالم الكرة وتأثيراته، وهذا ما يندرج ضمنه إعلان رونالدو الأخير. المهم هنا أن يكون التصدي الإعلامي كبيراً لترويجات إسرائيل عن طريق الكرة على غرار حالة رونالدو، أما الأهم أكثر في هذه المعركة، ولإعلاء صوت فلسطين، فهو أن يقدّم المستثمرون العرب الكثر في الكرة الأوروبية خدمة فيها، إلا أنه، وكما في كل مرة: لا حياة لمن تنادي.