لنفترض أن أحد المتابعين فاتته المراحل التسع الأولى من الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم هذا الموسم، وطُرح عليه السؤال التالي: من برأيك الفريق الذي يحتل المركز الثاني في «البريميير ليغ» خلف تشلسي المتصدر الآن؟ لا شك في أن الجواب سيكون بديهياً وتلقائياً: إما مانشستر سيتي أو جاره يونايتد أو أرسنال أو ليفربول أو توتنهام، أو بـ «أسوأ الأحوال» إفرتون، إذ إن هذه الأسماء هي التي اعتادت أن تكون في هذا الموقع، وخصوصاً أن البطولة وصلت إلى مرحلتها التاسعة.
لكن الحقيقة هي أن فريقاً اسمه ساوثمبتون هو الذي يتبوأ هذا المركز بـ 19 نقطة بفارق 4 نقاط خلف تشلسي المتصدر، ونقطتين أمام مانشستر سيتي الثالث، محققاً 6 انتصارات، وهو يملك ثاني أقوى خط هجوم بـ 20 هدفاً، وأقوى خط دفاع حيث لم تتلقَ شباكه سوى 5 أهداف.
قد يبدو الأمر مفاجئاً لكثيرين، لكن عندما تكون البطولة قد وصلت الى مرحلتها التاسعة، فإن هذا تأكيد على أن حلول ساوثمبتون في الوصافة ليس «فلتة شوط» أو فيه أدنى مفاجأة، وعندما يكون هذا الفريق قد حقق أعلى نتيجة حتى الآن هذا الموسم باكتساحه سندرلاند 8-0 في الجولة ما قبل الأخيرة، فإن وجوده في المركز الثاني لا يصح أن يكون محل تساؤل أو استغراب.
في حقيقة الأمر، فإن وصول ساوثمبتون إلى هذه المرتبة هو استكمال لموسمه الماضي الناجح، وتأكيد لمدى القيمة والتطور اللذين وصل اليهما. لا بل على العكس، فإن الأمر الذي يثير الاستغراب والدهشة، والذي يثبت قوة ساوثمبتون ومعدنه ومشروعه الأنجح في البطولة الإنكليزية، هو كيف أن فريقاً «سرقت» منه الأندية الأخرى أهم النجوم الذين قدمهم في الموسم الماضي، لكنه، رغم ذلك،
يحتل ساوثمبتون حالياً المركز الثاني في الدوري الإنكليزي الممتاز


لم يتأثر، ومضى في تقدمه حاصداً نجاحات أكبر ومحققاً أفضل انطلاقة في «البريميير ليغ» في تاريخ مشاركته فيه.
فما هو معلوم أن ساوثمبتون فقد في الصيف الماضي أهم عناصره دفعة واحدة، وهم: ريكي لامبرت وآدم لالانا وديان لوفرين إلى ليفربول، ولوك شاو إلى مانشستر يونايتد، وكالوم تشامبرز إلى أرسنال، مقابل مبلغ وصل إلى 126 مليون يورو، وأكثر، فإن توتنهام لم يبقِ له حتى مدربه الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو.
كان من المنتظر أن يُستثمَر هذا المبلغ للتعاقد مع أسماء كبيرة، غير أن الإدارة الناجحة لساوثمبتون فضّلت الاستمرار في الاعتماد على اكاديمية النادي التي خرّجت المواهب المذكورة، وأسماء أخرى سابقة على غرار الويلزي غاريث بايل وثيو والكوت وأليكس - اوكسلايد تشامبرلاين، الذين خطفهم كبار إنكلترا بطبيعة الحال أيضاً، و»ضربت ضربتها» بالتعاقد مع النجم الهولندي السابق رونالد كومان كمدرب للفريق ومن ثم مع شقيقه إيروين، الذي أشرف على العديد من الفرق في هولندا وعلى منتخب المجر أيضاً، مساعداً له.
بالتأكيد هي «ضربة معلم» أن يتعاقد النادي الأحمر مع الشقيقين كومان، وخصوصاً رونالد، الذي حقق، كمدرب، نجاحاً لافتاً في ملاعب بلاده بتتويجه بلقب الدوري المحلي مرتين مع أياكس أمستردام، ومرة مع بي أس في أيندهوفن. فالهولندي، الذي اشتهر في الملاعب بتسديداته الصاروخية من الركلات الثابتة، بات يمتلك من التجربة والحنكة في الكرة الأوروبية والقدرة على التعامل مع المواهب ما يتيح له الظروف الملائمة للعمل في فريق كساوثمبتون. هذه الحنكة عكسها كومان من خلال تعاقدين «من صنع يدَيه» بضمه من فريقه السابق فيينورد، الإيطالي غرازيانو بيللي، والمدافع البلجيكي توبي ألديرفيرلد من أتلتيكو مدريد الإسباني، الذي كان الهولندي قد أشرف عليه في اياكس، فضلاً عن لاعب آخر من الدوري الهولندي هو الدولي الصربي دوزان تاديتش من تفنتي انشكيده، وذلك لتعويض شاو ولالانا ولامبرت تحديداً.
صوابية خيارات كومان ظهرت سريعاً، حيث قدّم هؤلاء اللاعبون الإضافة للفريق، وخصوصاً بيللي الذي سجل 7 أهداف في 9 مباريات، وهو يحتل المركز الثالث في لائحة هدافي «البريميير ليغ» خلف الاسباني دييغو كوستا والأرجنتيني سيرجيو أغويرو بـ 9 أهداف لكل منهما، وقد أتاح له ذلك تلقي الدعوة من أنطونيو كونتي للعب في صفوف المنتخب الإيطالي.
ما هو واضح أن كومان نجح، سريعاً، في رأب الصدع الذي خلّفه رحيل نجوم ساوثمبتون عن صفوفه كما نقل إليه، بنجاح، فلسفته الهجومية، لكن، في المقابل أيضاً، فإن لاعبي الفريق الأحمر أظهروا جاهزية عالية للتأقلم مع منهجية الهولندي، وتحدي الصعاب من خلال الاستمرار على ذات منوال الموسم الماضي، وهذا ما يؤكده كومان نفسه، حيث عبّر عن دهشته للحماسة التي يتمتع بها اللاعبون، والتي لم يصادفها، على ما قال، طيلة مسيرته، حيث ذكر بأن قائد ساوثمبتون، البرتغالي جوزيه فونتي، نقل إليه رفض زملائه الإجازة التي منحهم اياها في منتصف الأسبوع عقب المرحلة الخامسة، قائلاً له: «نريد أن نتدرب».
بالتأكيد، مع لاعبين كهؤلاء، يصبح من غير المستغرَب أن يحتل فريقهم وصافة الدوري الإنكليزي حالياً.