مبتسماً، طبعاً، أطلّ النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي قبل أيام، وهو يستعرض حذاءه الجديد «أديزيرو أف 20» الذي يحمل اسم ابنه تياغو وعلم الأرجنتين، والأهم أنه يحمل شعار شركة «أديداس» العالمية الشهيرة للأدوات الرياضية. لكم أن تتخيلوا هنا كمّ الأشخاص الذين شاهدوا هذه الصورة على صفحة اللاعب الرسمية في «فايسبوك» والتي تحوي أكثر من 70 مليون معجب. إنهم بالتأكيد بالملايين. ولكم أيضاً أن تتخيلوا كم الأشخاص الذين ابتاعوا هذا الحذاء حول العالم، لا لشيء سوى لأن نجمهم المفضل ينتعله. إنهم، بالتأكيد أيضاً، بالملايين... أهلاً بكم إلى عالم «صناعة كرة القدم».
عالمٌ! هو كذلك بالتأكيد، عالم بذاته. عالم فيه كل شيء: من المنافسة، إلى الاحتكار، إلى الابتكار، إلى قوة المال وصولاً إلى الأرباح المذهلة. عالم يوازي كرة القدم على أرض الملعب، لا بل إنه، في مكان ما، يحكمها أو على الأقل يديرها. إنه بالتحديد عالم شركات الأدوات الرياضية الراعية للأندية والمنتخبات والاتحادات والبطولات العالمية. وعندما نذكر هذه الشركات، فإن الأنظار تتجه، رأساً، إلى شركتي «أديداس» الألمانية و»نايكي» الأميركية الأشهر من أن تعرَّفا.
وإذا كان عالم الكرة يحكي لغة الأهداف، فإن عالم صناعتها لا يحكي، طبعاً، إلا لغة الأرقام. أرقام بعملات العالم المختلفة على اتساع رقعة انتشار هاتين الشركتين الرائدتين اللتين تتخطيان مركزَي «القرار» في ميونيخ (المقر الرئيسي لأديداس) وواشنطن (بالنسبة لنايكي) إلى الكرة الأرض ككل، ومن يدري؟ فلربما قد يصل الابتكار يوماً بإحدى هاتين الشركتين إلى الخروج من كوكبنا (على الأقل افتراضياً) وطبع شعارها على قرص القمر.
تربح الأندية عبر
زيادة مدخولها والشركات عبر
الترويج لمنتجاتها

العلاقة إذاً، وانطلاقاً من صورة ميسي السالفة، وإعلاناته لمنتجات «أديداس» التي يشاهدها الملايين على موقع «يوتيوب» فور تحميلها كما الحال تماماً بالنسبة لغريمه في الملاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو مع «نايكي»، بين صناعة الكرة وعالم هذه الأخيرة، تبدو واضحة المعالم. هاتان الشركتان، كما شركات أخرى، تجهزان هذا النجم وذاك، وهذا الفريق وذاك، وهذا النادي وذاك، وهذه البطولة وتلك، بعقود مليونية مع هذه الأطراف، وتجنيان في المقابل أرباحاً وأرباحاً مضاعفة. هنا الشعار ساطع: «business is business» والهدف واضح: «money»، وهنا أيضاً الكل رابح، الأطراف الكروية تربح من خلال العقود التي توقّعها مع هذه الشركات لزيادة مدخولها، أما تلك الأخيرة فتكسب من خلال انتشار شعارها والترويج لمنتجاتها، استناداً طبعاً إلى شهرة هذا النجم وذاك الفريق، وبالتالي فإن نسبة مبيعاتها تشهد تزايداً رهيباً.
ولعل كأس العالم الأخيرة في البرازيل عينة واضحة لـ «أصول اللعبة» هذه، وتحديداً مباراتها النهائية. إذ قبل أن تُطلق صافرة بداية هذه المباراة بين الأرجنتين وألمانيا، كانت النتيجة «على الورق» محسومة، «أديداس» هي الفائزة باعتبارها الراعي لهذين المنتخبين، وهذا ما ادى الى ازدياد مهول في مبيعات قمصان المنتخبين قبل المباراة النهائية وقمصان ألمانيا بعدها، إذ وصلت المبيعات بعد أيام من انتهاء البطولة الى مليوني قميص (توقعات بأن ترتفع مع القميص الجديد لـ «المانشافت» الذي يحمل 4 نجوم عالمية)، فضلاً عن أن أرباح الشركة ازدادت مع حصول ثلاثة لاعبين تجهّزهم «أديداس» على جوائز فردية، هم: ميسي (الكرة الذهبية) والألماني مانويل نوير (القفاز الذهبي) والكولومبي خايمس رودريغيز (الحذاء الذهبي)، حيث لم يتوان الرئيس التنفيذي لأديداس، هربرت هاينر، عن القول: «كأس العالم كانت نجاحاً ضخماً لنا، وقد تمكنّا من الفوز بالمنافسة على أرض الملعب وخارجه». التقارير ذكرت أن «اديداس» جنت في 2014 حتى مونديال البرازيل، واستناداً إليه، أرباحاً وصلت الى 2 مليار يورو وتأمل الوصول الى 2,7 مليار في حصيلة العام، مقابل 2,1 مليار يورو لـ «نايكي» (وهو رقم مهم باعتبار ان الشركة دخلت سوق كرة القدم عام 1994).
وبلغة الأرقام أيضاً، فقد توقعت معاهد الدراسات المتخصصة أن تجني الشركات الراعية ككل ما مجموعه 3 مليارات يورو من مبيعات منتجاتها بسبب المونديال فقط، فيما أن موسم 2013 بمجمله شهد أرباحاً بلغت 5 مليار يورو كان لأديداس ونايكي، اللتين تستحوذان على 80% من السوق العالمية، الحصة الكبرى بـ 4 مليار لكلتيهما.
استناداً الى هذه الأرقام، يبدو واضحاً ان لهذه الشركات الغلبة الكبرى في هذه «اللعبة»، وقد وصلت حتى إلى مرحلة «السلطة» فيها. المسألة لا تحتاج الى بحث كثير هنا، إذ يكفي مثلاً أن نتوقف عند فريق بايرن ميونيخ الألماني، الذي بطبيعة الحال، يحصل على تجهيزاته كاملة من «أديداس»، إذ إن العلاقة التاريخية بين الطرفين وصلت إلى أبعد من ذلك، الى حدود ان الشركة الألمانية، التي تعتبر الممول الرئيسي للنادي، باتت تمتلك أسهماً فيه تصل إلى 9%، وهذا ما تجلى بوضوح أكثر مع تولي الرئيس التنفيذي في «أديداس» هربرت هاينر قبل أشهر، سدة رئاسة المجلس الاستشاري في النادي البافاري عقب استقالة أولي هونيس من منصبه بعد إدانته بتهمة التهرب من الضرائب.
وعندما تكون العلاقة بهذه الكيفية، فإن الحصول على «رضى» الشركة يصبح ضرورياً وحتمياً، وهذا ما يوضحه الاعتذار الرسمي من بايرن ميونيخ لـ «أديداس»، بسبب الظهور «المحرج» لنجم الفريق ماريو غوتزه بقميص يحمل شعار «نايكي» خلال المؤتمر الصحافي لدى تقديمه لوسائل الاعلام عند التعاقد معه، إذ لم يتوان المتحدث الرسمي باسم النادي البافاري ماركوس هورفيك عن القول: «لقد اعتذرت لأديداس عبر الهاتف، ووعدتها بأن شيئاً من هذا القبيل لن يتكرر مستقبلاً». هذه الواقعة بين بايرن و«أديداس» وما يربطهما تاريخياً، تؤكد مدى الحظوة التي وصلت اليها الشركات، إذ حتى «المونة» تصبح هنا غير ذات معنى.
مسألة أخرى تظهر «اليد العليا» للشركات وتتمثل تحديداً في القمصان التي تعتبر ذات أهمية وحساسية بالنسبة إلى الأندية الأوروبية الكبرى، إذ إنها وصلت حتى إلى تغيير الألوان التقليدية لقمصان هذه الأندية، تحديداً القميص الثاني والثالث - مع الحفاظ على الهوية التاريخية للنادي – وهذا ما لم يكن يحدث سابقاً، وذلك بهدف تسويقي وتجاري بحت وهو جذب مشجع هذا النادي أو ذاك ودفعه الى شراء قميص فريقه باللون الجديد في كل موسم، فبتنا نرى مثلاً قميصاً ثانياً بلون مختلف لبرشلونة الإسباني في كل عام من البرتقالي إلى الأصفر والأخضر والأزرق والأسود والأحمر وصولاً حتى... الزهري.
وبطبيعة الحال، فإن متجر الشركة هنا يتحول «إلى مصيدة»، إذ إن المشجع قد لا يكتفي بشراء هذا القميص الجديد، بل إنه في طريقه قد يبتاع حذاء أو سترة أو كرة أو أدوات رياضية أخرى خاصة بفريقه، ولنا هنا أن نتخيّل كمّ مبيعات الشركة. ستصل حتماً إلى أرقام مرتفعة، فبحسب مجموعة «ان دي بي» التي تُعنى بدراسات السوق، فإن سوق التجهيزات الرياضية الشخصية عام 2013 وصلت إلى 12 مليار يورو.

البطولات الأوروبية: أرض خصبة

انطلاقاً من النقطة الأخيرة، يبدو ثقل الشركات المصنعة للمستلزمات الرياضية منصبّاً على البطولات الأوروبية الكبرى، فهنا «الأرض خصبة» لجني محصول وافر نظراً إلى شعبية هذه الأندية في العالم.
الأرقام هنا، قد تتخطى المعقول. فقبل فترة وجيزة، على سبيل المثال، تمكنت «أديداس» من الحصول على رعاية مانشستر يونايتد الإنكليزي بدءاً من موسم 2015-2016 مقابل مبلغ قياسي وصل لـ 940 مليون يورو لعشر سنوات بعد أن كان النادي تحت رعاية «نايكي» منذ 2002. وبطبيعة الحال، فإن هذه الصفقة التاريخية لم تأتِ عن عبث بالنسبة إلى الشركة الألمانية إذ إن فريق «الشياطين الحمر» يعد من الاكثر شعبية في العالم وتحديداً في شرق آسيا والولايات المتحدة، وكذلك فإن ثلاثة من نجومه (الهولندي روبن فان بيرسي والاسباني خوان ماتا وواين روني) يوجدون في لائحة أكثر 10 لاعبين مبيعاً للقمصان في الدوري الإنكليزي الممتاز لموسم 2013-2014 (يتصدرها فان بيرسي)، وللتذكير هنا، فإن الـ «بريمييرليغ» أتى في المركز الأول بين البطولات الأكثر مبيعاً للقمصان في الموسم المذكور، بحسب دراسة لشركتي «ريبوكوم» و»بي آر ماركيتينغ» بـ 5,140 مليون قميص، أمام الدوري الإسباني والألماني والفرنسي والإيطالي على التوالي، بمجموع كلي يبلغ 13 مليون قميص.
وتأتي «اديداس» و«نايكي» في طليعة الشركات المتعاقدة مع الاندية الاوروبية في البطولات الخمس الكبرى بواقع 42 نادياً مناصفة لكليهما أمام «بوما» (7 أندية) و«كابا» و«ماكرون» (6 أندية)، فيما أن 12 شركة تقاسمت في موسم 2013-2014 «كعكة» الدوري الإيطالي.
وكما ان في عالم كرة القدم سوق انتقالات للاعبين، ففي عالم صناعتها انتقالات للأندية أيضاً، إذ توضح أرقام موسم 2014-2015 أن «نايكي» تخلّت عن شراكتها مع «أديداس» في صدارة الموسم الماضي، لتصبح الأكثر تجهيزاً للأندية في البطولات الكبرى بـ 26 نادياً (أشهرها برشلونة ومانشستر يونايتد (سينتقل الموسم المقبل لأديداس) وباريس سان جيرمان ويوفنتوس (سينتقل بدوره لأديداس) وانتر ميلانو)، بينما اتت «أديداس» ثانية بتراجع حصتها إلى 18 نادياً (أشهرها ريال مدريد وتشلسي وبايرن ميونيخ وميلان ومرسيليا)، أمام «بوما» (9 اندية) و»كابا» (8 اندية) و»أومبرو» و»ماكرون» و»لوتو» و»جوما» (لكل منها 4 أندية)، فيما يأتي الدوري الإسباني في المرتبة الأولى من حيث عدد الشركات التي تجهز الاندية (11 شركة لـ 20 نادياً).
هذا للموسم الجديد اذاً. الدراسات تتوقع طبعاً ارتفاعاً في نسبة المبيعات والأرباح خصوصاً مع ادخال عامل التكنولوجيا على صناعة القمصان، وتحديداً الأحذية. وبالتأكيد، فإن الإبتسامة على وجه مسؤولي شركات التجهيزات الرياضية في نهاية هذا الموسم، ستتسع بدورها أكثر ودائماً وفق شعار: «business is business».













26



هو عدد الأندية الكبرى التي تجهّزها شركة «نايكي» في موسم 2014-2015 لتأتي في المركز الأول


940



مليون يورو هو المبلغ القياسي الذي ستدفعه «اديداس» لتجهيز مانشستر يونايتد الموسم المقبل



18



هو عدد الاندية الكبرى التي تجهزها شركة «اديداس» لتتراجع الى المركز الثاني في اللائحة


5,140



مليون قميص هي حصيلة الدوري الإنكليزي الأكثر مبيعاً للقمصان في موسم 2013-2014



11



هو عدد الشركات التي تجهّز أندية الدوري الاسباني في الموسم الحالي وهو الأضخم بين البطولات الكبرى