تاريخٌ كبير بين الكرتين الألمانية والإنكليزية، وحربٌ ضروس امتدت منذ ما قبل منتصف القرن الماضي تقريباً، حيث باتت أي موقعة بين منتخبين أو فريقين ينتميان إلى البلدين المذكورين بمثابة معركة لا يمكن التنبؤ بما ستفرزه بالنظر إلى حدّة المنافسة، لا بل العداوة القائمة.
وحتى يومنا هذا لا تزال الكرة الالمانية متفوّقة بأشواط على نظيرتها الإنكليزية على الساحتين العالمية والأوروبية، وتحديداً على صعيد المنتخبات الوطنية. صحيح أنّ الإنكليز عاشوا أسعد أيام حياتهم يوم هزموا الألمان في ذاك المونديال الذي استضافوه عام 1966، لكن رجال "المانشافت" محوا بعدها أي منافسة أو مقارنة تجمعهم بالإنكليز، إذ في 22 بطولة بين المونديال وكأس أوروبا، بلغوا الدور نصف النهائي 17 مرة، والمباراة النهائية 12 مرة، ورفعوا 6 كؤوس. أما إنكلترا، ومنذ المونديال الستيني، فقد توقفت أفضل نتائجها عند العتبة الألمانية تحديداً، إذ في أفضل نتيجتين لها بعد إحرازها كأس العالم للمرة الوحيدة في تاريخها، خرجت أمام ألمانيا في نصف نهائي مونديال 1990، وفي نصف نهائي "يورو 96" التي حلّت ضيفة عليها...
من هنا، ومع سقوط أي عنوان للمنافسة أو لعبارة الغريم بين البلدين، حيث تنتفي المقارنة بالنظر إلى التفوّق الرهيب للألمان على الإنكليز، باتت الأندية الإنكليزية هي المتنفّس الوحيد لبلاد "البريميير ليغ"، على اعتبار أن أندية إنكلترا حملت لقب دوري أبطال أوروبا في 12 مناسبة، بينما حملته أندية ألمانيا 7 مرات.
إنكلترا لم تعد
غريمة ألمانيا لانتفاء المقارنة بينهما

لذا، عشية ثلاثة لقاءات جمعت بين أندية أنكليزية وأخرى ألمانية في "التشامبيونز ليغ"، كان واضحاً أن الإعلام الألماني لم يعد يرى الإنكليز منافسين حقيقيين للألمان. ففي نهاية المطاف، منتخب بلادهم بات بطلاً للعالم للمرة الرابعة، بينما توالت الخيبات الإنكليزية على الساحة المونديالية. في المقابل، تمسّكت إنكلترا بخيط أمل يحفظ لها ماء الوجه أمام "العدو الأزلي"، فكان هذا الأمل في أفضل الفرق، أي مانشستر سيتي بطل الموسم الماضي، وتشلسي المتصدر الحالي للدوري بالعلامة الكاملة بعد مرور 4 مراحل، وأرسنال المتجدد بنجومه المحليين والأجانب.
لكنْ صفراً، كان عدد الانتصارات التي حققها الإنكليز في حضرة الألمان في الأمسيتين الاوروبيتين، لا بل إن التفوّق الفني كان واضحاً لبايرن ميونيخ أمام سيتي، ولبوروسيا دورتموند المنقوص من أبرز نجومه أمام أرسنال، بينما كانت الطامة الكبرى في خروج تشلسي من "ستامفورد بريدج" متعادلاً مع شالكه، رغم أن الأخير يعيش فترة مضطربة، والدليل خروجه من كأس ألمانيا مبكراً أمام فريقٍ من الدرجة الثالثة، هو دينامو دريسدن!
هي صدمةٌ للإنكليز فعلاً، والشيء الاكثر تعبيراً عن هذا الأمر قد يكون في ما نشرته صحيفة "ذا دايلي مايل" صباح أمس، حيث تبحث عن بصيص أملٍ جديد للإنكليز في مواجهة الألمان عندما كتبت أن الكل ينتظر من إفرتون أن يستنهض الإنكليز أمام الألمان عندما يقابل فولسبورغ في مسابقة "يوروبا ليغ".
إذاً، الإنكليز الذين صرفوا أكثر من مليار دولار في سوق الانتقالات الصيفية، بدأوا يفقدون السيطرة على آخر مجال يتفوّقون فيه على الألمان الذين لم ينفقوا أكثر من 300 مليون دولار هذا الصيف. هم أصلاً شعروا بهذا الأمر عندما لعب بايرن ودورتموند المباراة النهائية لدوري الأبطال في قلب العاصمة الإنكليزية لندن وملعبها التاريخي ويمبلي. لكن الأسوأ بالنسبة إليهم اليوم أنهم يصرفون هذه الأموال من دون أن يكون مردودها إيجابياً عليهم على صعيد الأندية أو حتى المنتخبات. وهنا التصويب على مسألة اكتظاظ الفرق الإنكليزية الكبرى بالأجانب، بحيث إن ثلث لاعبي "البريميير ليغ" فقط هم متاحون للانضمام إلى المنتخب الوطني، في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة الألمان في فرقهم أكثر من النصف (57% تحديداً)، ما يجعل الخيارات أوسع بكثير أمام مدرب "المانشافت" يواكيم لوف.
اليوم باتت "البوندسليغا" الأكثر متابعة بعد "البريميير ليغ" حول العالم، لكن أضعف الفرق الإنكليزية تحصّل أموالاً أكثر من أفضل الفرق الألمانية، من دون أن تعرف كيفية إدارتها بالشكل المناسب. مشهدٌ وحيد يختصر كل الحكاية، وربما أعطى صورة واضحة لمستقبل أندية إنكلترا وألمانيا: حارس مرمى مانشستر سيتي جو هارت يبكي على كتف جيروم بواتنغ الذي احتضنه بايرن بعدما لفظته الملاعب الإنكليزية على اعتبار أنه دون مستوى بطولتها.