اعتاد المنتخب الفرنسي، تاريخياً، وجود قائد ملهم وفنان ساحر في صفوفه. كان ذلك مع ميشال بلاتيني منذ منتصف السبعينيات حتى منتصف الثمانينيات، تلاه إيريك كانتونا حتى منتصف التسعينيات، ومن بعده زين الدين زيدان حتى نهائي مونديال 2006 في ألمانيا، لكن مذذاك الحين، لا تزال البلاد تبحث عن هذا اللاعب. فرانك ريبيري وسمير نصري وكريم بنزيما نجوم طبعاً، لكنهم لم يمتلكوا هذه الشخصية التي تجمع بين القيادة والموهبة والكاريزما.
بدا واضحاً خلال هذه الفترة تأثير عدم وجود هذا اللاعب على المجموعة، على شكل «الزرق» ككل. بدا منتخب «الديوك» فاقداً قلبه النابض الذي يضخ الحياة في الجسد الفرنسي المترهل من خيبات وخيبات، أفقدت الفرنسيين ثقتهم بلاعبيهم. بدت الحاجة كبيرة إلى خروج لاعب «من ذلك الزمن الجميل» يعيد تلك الأيام التي رُفعت فيها أقواس النصر في «الشانزيليزيه».
في عام 2009، سمع الفرنسيون، همساً، للمرة الأولى باسم بول بوغبا. كان مجرد انتقال هذا الشاب ذي البنية الجسدية المثالية إلى لاعب كرة قدم من فريق الناشئين في فريق لو هافر الى فريق كمانشستر يونايتد الانكليزي، كفيلاً بأن يُلقي الأضواء عليه. ومن ثم، علق هذا الاسم أكثر في الاذهان عام 2012 بعد مشاكله مع المدرب التاريخي لـ «الشياطين الحمر»، الاسكوتلندي أليكس فيرغيسون، وقراره الرحيل عن صفوف الفريق بسبب عدم حصوله على الفرصة الكاملة. تعجب الفرنسيون، ومعهم العالم، وقتها، إزاء لاعب بهذه الحماسة ويقف بوجه «السير».

بدأ الحديث يكثر
عن بوغبا الأقرب إلى بلاتيني وزيدان


في العام ذاته، كان بوغبا في يوفنتوس الايطالي. هناك، بدأ يأخذ فرصته أكثر مع أنطونيو كونتي، وراح اسمه يكبر أكثر فأكثر. في 2013، كانت بطولة العالم دون 20 عاماً. المنتخب الفرنسي بقيادة بوغبا على منصة التتويج، والشاب اليافع يبتسم أمام عدسات المصورين وهو يحمل الكرة الذهبية لأفضل لاعب. بدا بالنسبة إلى الفرنسيين في تلك البطولة أن بوغبا هو فعلاً باتريك فييرا الجديد، ذاك النجم الذي شُبه به في 2009، لكن شكلاً فقط. لحظتها، ولد الأمل في فرنسا.
في مونديال 2014 في البرازيل، كان بوغبا في عداد المنتخب الوطني برغم أنه لم يخض بعد في صفوفه مباريات تتعدى عدد أصابع اليدين. بدا واضحاً خلال البطولة أن بوغبا «علامة فارقة» في التشكيلة، وفي ختامها، كان اسمه يذاع في ملعب «ماراكانا» في ريو دي جانيرو كأفضل لاعب ناشئ في كأس العالم. في تلك اللحظة بالتحديد، تحول أمل الفرنسيين بهذا اللاعب الى حلم.
الأنظار كلها في فرنسا كانت يوم الخميس الماضي على ملعب «ستاد دو فرانس» في ضاحية «سان دوني» لمتابعة اللقاء الودي أمام اسبانيا بعد الخيبة المونديالية. فاز «الديوك» بهدف لوك ريمي، لكن صور بوغبا هي التي كانت تغزو صحف البلاد، صبيحة اليوم التالي. فما فعله لاعب يوفنتوس خلالها كان كبيراً. دون مبالغة، تلاعب بوغبا بالاسبان كيفما شاء وأينما شاء: في منتصف الملعب، وفي الدقيقة الـ79 قام بحركة «الروليت»، التي اشتهر بها «زيزو» في تخطي الخصوم، ليلهب حماسة الجمهور الفرنسي. وفي الدقيقة الـ90، وبمحاذاة نقطة الركلة الركنية، خدع دانيال كارفاخال بحركة ماكرة وساحرة، ابتسم لها برج إيفيل من عليائه.
أما الأحد الماضي، وتزامناً مع انطلاق تصفيات كأس أوروبا 2016 التي تستضيفها فرنسا، فلعب منتخبها ودياً أمام صربيا. مرة جديدة كان بوغبا يخطف قلوب الفرنسيين، مسجلاً هذه المرة هدف التعادل.
في فرنسا، منذ الخميس الماضي، حالة اسمها «بوغبا»، من دون مبالغة. الصحف هناك تتغنى به كثيراً، وتتحدث عن ولادة «القائد الساحر». صحيفة «ليكيب» الشهيرة أجرت حديثاً مع مدير احدى الشركات التي تعنى بالصورة التسويقية للمشاهير، الذي شرح عن الصعود القياسي لشخصية بوغبا في نفوس الفرنسيين. حتى زملاء اللاعب كالوا له المديح عقب المباراة أمام اسبانيا. رافاييل فاران أكد أنه «يمتلك موهبة لا تصدق»، أما بليز ماتويدي، فوصفه بـ «اللاعب الاستثنائي»، بينما أبدى موسى سيسوكو ولوك ريمي إعجابهما بنضجه الكبير. كذلك، فإن المدربين الفرنسيين أدلوا بدلوهم حول بوغبا. مدرب باريس سان جيرمان السابق، غي لاكومب، قال عنه لصحيفة «لو باريزيان»: «على الملعب، انه ليس قائد المستقبل، لقد أصبح بالفعل قائداً»، أما رولان كوربيس، مدرب مونبلييه، فقال لراديو «مونتي كارلو»: «فلنحلم قليلاً: إذا أحرزنا كأس أوروبا 2016، فلن أكون مفاجآً اذا كان بوغبا أفضل لاعب في البطولة».
بعد المباراتين أمام اسبانيا وصربيا، بدّل بوغبا، البالغ 21 عاماً، الكثير في النظرة الفرنسية الى موهبته. صورته الملتصقة بفييرا في أذهانهم باتت خلفهم. الحديث الآن في فرنسا بدأ عن بوغبا الأقرب إلى بلاتيني وزيدان، عن «القائد الساحر» الذي، يبدو، ان البلاد قد عثرت عليه بعد طول انتظار.




أفضل من فييرا

تشير الأرقام في فرنسا الى أن بول بوغبا يتفوّق على النجم السابق لمنتخب «الديوك»، باتريك فييرا، الذي شُبّه به تحديداً لناحية المواصفات البدنية. ففي الحادية والعشرين من عمره، خاض بوغبا حتى الآن 18 مباراة دولية، وسجل 4 أهداف، وشارك في مونديال 2014، حيث نال جائزة أفضل ناشئ فيه، في حين أن فييرا، في السن ذاتها، كان قد مثّل فرنسا في 5 مناسبات من دون أن يسجل أي هدف أو يشارك في بطولة كبرى.