أن يلعب منتخب جبل طارق في تصفيات كأس أوروبا 2016 ليس بالأمر العادي، ولو أن المسألة قد تمر مرور الكرام عند البعض، وخصوصاً أن هذا المنتخب سيكون جسر عبور للمنتخبات الأخرى في مجموعته كبولونيا التي سحقته بسباعية نظيفة في مستهل المشوار، وألمانيا بطلة العالم واسكوتلندا.
القضية تعدّ سياسية بالدرجة الأولى، وهذا ما يعلمه سكان جبل طارق الذين بالتأكيد لا يطالبون منتخبهم بتحقيق النتائج، بل إن هدفهم الأول من خلال ظهور منتخبٍ وطني مسجّل على قائمة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، هو تثبيت الاستقلال الذي أكده شعبهم في مناسبتين، عندما رفضوا بأغلبية ساحقة مُقتَرحاً للعيش في ظل حكم إسبانيا في استفتاء حصل عام 1967، ومرة أخرى في عام 2002.
وإسبانيا نفسها كانت قد حاولت مراراً عرقلة انضمام جبل طارق الى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وذلك لأسبابٍ سياسية بحتة دونها رياضية. ومن دون شك، تشعر إسبانيا اليوم بالسخونة عندما رأت منتخباً يمثّل جبل طارق في التصفيات الأوروبية، لا خوفاً من الخسارة أمامه يوماً بسبب الفارق الشاسع في المستوى، بل لأن ما حصل قد يكون مقدّمة في المستقبل القريب لانشقاقات كروية أخرى في الأقاليم التي تطالب بالاستقلال أصلاً.
وهنا الحديث تحديداً عن إقليمي كاتالونيا والباسك اللذين يملكان أصلاً منتخبين يضمان نجوماً أصحاب أسماء رنانة. وبالفعل، كان قد رفع مشجعون للمنتخب الأول لافتات تدعو الى الانفصال الكروي في موازاة الانفصال السياسي الذي يدعو له كثيرون، بانتظار استفتاء مرتقب. في المقابل، لا يزال أتلتيك بلباو المنتمي الى إقليم الباسك مثلاً يسير في نهج الاعتماد فقط على لاعبين من أبناء الإقليم دون سواهم، إيماناً بحصوله يوماً ما على استقلاله، وبالتالي سيكون له منتخب جاهز بعد انضمام نجوم ريال سوسييداد الباسكيين إليه أيضاً...
الخوف الإسباني يتضاعف عند إدراك مدى السهولة التي بدأت تتسلل من خلالها الأقاليم الى عائلتي الاتحاد الدولي والأوروبي، حيث كان رئيس «الفيفا» السويسري جوزف بلاتر قد سمح لكوسوفو ببدء خوض المباريات مع منتخبات منضوية الى اتحاده، ما يشير الى اقتراب قيده رسمياً في المؤسستين الكرويتين، علماً بأنه كان من السهل على جبل طارق الانضمام الى «يويفا»، إذ إن اتحاده هو أحد أقدم عشرة اتحادات في التاريخ، حيث تأسس عام 1895، وانطلقت بطولة الدوري فيه التي تضم حالياً ثمانية فرق في عام 1907، لكن لم يكن بمقدوره صناعة منتخب قوي بسبب عدد السكان القليل في البلاد الذي لا يتجاوز الـ 30 ألفاً، معظمهم من أصول بريطانية أي من البلاد التي تملك تاريخاً وحاضراً كروياً عظيماً، لذا قد تكون مبررة الشعبية الجارفة لكرة القدم في المضيق.
وبالفعل، حاول المدرب ألن بولا البناء على أمرٍ ما انطلاقاً من العودة الى الجذور، فكانت محاولته عبر استدعاء بعض اللاعبين الناشطين في إنكلترا، أمثال سكوت وايزمان مدافع بريستون نورث أند ولاعب وسط بريستول روفرز جايك غوسلينغ وآدم بريستلي لاعب فارسلي.

سيخسر منتخب إسبانيا نجوماً كثيرين في حال استقلال كاتالونيا


صحيح أن جبل طارق لم ينفصل عن إسبانيا بمعنى الانفصال عندما قام بخطوته الكروية، لكن الواقع السياسي لا بدّ أن يأخذ المتابع الى التفكير بما سيحصل للمنتخب الإسباني في حال قرر الكاتالونيون الانفصال سياسياً، وبالتالي كروياً، إذ سيخسر «لا فوريا روخا» لاعبين أساسيين مثل جيرارد بيكيه وجوردي ألبا وسيرجيو بوسكتس وسيسك فابريغاس، وآخرين واعدين مثل كريستيان تييو وبويان كركيتش ومارك بارترا ومارتن مونتويا.
وهنا لا بدّ من الإشارة الى أن هذه الأسماء لن تتوانى عن التحوّل لتمثيل بلادها الأم، تماماً كما حصل مع الكروات الذين ذهبوا الى تمثيل كرواتيا عند انفراط عقد يوغوسلافيا بعدما كانوا قد ارتدوا ألوان الأخيرة، أمثال الشهير روبرت بروسينيكي وروبرت يارني ودافور شوكر وزفونيمير بوبان وغيرهم.
الأكيد أن مشاعر الوطنية دغدغت مشاعر سكان كاتالونيا والباسك عند رؤيتهم جبل طارق الذي لا يملك ملعباً دولياً حتى (لعب مباراته مع بولونيا في الغارف البرتغالية)، وهو يخوض مباراة رسمية. هم حلموا بالتأكيد بمواجهة مع المنتخب الإسباني، حيث لديهم ثقة أكبر بإمكانية تحقيق شيء ما وسماع نشيد كاتالونيا يعزف على الساحة العالمية بعدما أجبر بعض ممثليهم، وعلى رأسهم المعتزل دولياً شافي هرنانديز، على الصراخ: «فيفا إسبانيا»، يوم فاز الإسبان بكأس العالم، في حادثةٍ قيل إنها جرحت مشاعر الآلاف من الكاتالونيين.




غوارديولا يدعو للانفصال

يبدو المدرب جوسيب غوارديولا أكثر المتحمسين لاستقلال كاتالونيا، إذ دعا سكان الإقليم إلى المشاركة بكثافة وفعالية في الاستفتاء الذي سيجري في 9 تشرين الثاني المقبل، للاختيار بين استمرار الإقليم في وضعه السياسي الحالي كجزء من المملكة الإسبانية أو الاستقلال عنها.