تسعة أندية عالمية يمكن الإشارة إليها بأنها أشبه بمصانع لإنتاج المواهب، وهي التي تعمل بجهد لصقل المواهب من خلال أكاديمياتها، بعضها للاستفادة منها في فريقها الأول، وتحديداً عندما يرتبط الأمر بالأندية الأوروبيّة. أما البعض الآخر فهو يستند إلى أكاديميّته من أجل إنعاش خزائنه المالية عبر بيع أبرز منتجاته، وهي المسألة التي ترتبط غالباً بأندية أميركا الجنوبية التي اعتادت على تصدير المواهب المميزة إلى أوروبا. من هنا، كان العمل الحثيث من قبل هذه الأندية من أجل خلق مكانٍ مثالي لزرع بذورها قبل قطف ثمارها، وهو ما حتّم عليها الاستثمار بمبالغ كبيرة في المرافق الخاصة بها من أجل تأمين الأرضية اللازمة لتطوير المواهب بأفضل شكلٍ ممكن قبل نقلها إلى عالم الأضواء. واللافت أن هذه الأندية لم تبخل أبداً في صرف المبالغ الطائلة من أجل قطاع الناشئين فيها كونها تعرف بأن لاعباً واحداً يمكن أن يعوّض كل الأموال التي صرفتها من خلال حمله الكؤوس إليها أو من خلال بيعه برقمٍ كبير في سوق الانتقالات.
أكاديميات بمئات الملايين
من البرتغال إلى البرازيل تبدو القصة متشابهة، فباتت القيمة التقديرية لأكاديميات الأندية بمئات الملايين، ويتصدّرها حالياً بنفيكا البرتغالي بقيمةٍ وصلت إلى 670 مليون يورو، يليه تشيلسي الإنكليزي بـ630 مليوناً، وثم برشلونة الإسباني بـ581 مليوناً، متقدّماً على أياكس أمستردام الهولندي الذي تبلغ القيمة المالية لأكاديميته 555 مليوناً، مقابل قيمة وصلت إلى 510 ملايين لمانشستر سيتي الإنكليزي، و491 مليوناً لباريس سان جيرمان الفرنسي. أما المراكز الثلاثة الأخيرة فهي كانت لأندية برازيلية حصراً، على رأسها ساو باولو الذي تقدّر قيمة أكاديميته بـ474 مليون يورو، يليه سانتوس بـ444 مليوناً، وثم فلامنغو بقيمةٍ وصلت إلى 438 مليوناً.
وإذا نظرنا إلى أسماء هذه الأندية لا نستغرب وجودها في هذه اللائحة، إذ إن بنفيكا اعتاد على تخريج أفضل نجوم البرتغال الذين انتقلوا للّعب مع أكبر الأندية الأوروبية، والأمر عينه فعله أياكس، بينما استفاد برشلونة ومانشستر سيتي وتشيلسي من خريجي أكاديمياته لزمنٍ طويل، ومثلهم باريس سان جيرمان قبل أن يتخذ توجّهاً مختلفاً في الأعوام الأخيرة بدفعه المبالغ الضخمة لاستقدام أبرز نجوم العالم. أما ساو باولو وسانتوس وفلامنغو فهي عاشت بحبوحة دائمة بفعل بيعها أسماء كبيرة إلى أوروبا، وهي التي أنتجت نجوماً عظماء خُلّدت أسماؤهم في تاريخ اللعبة، أمثال كاكا عند الأول، و«الملك» الراحل بيليه عند الثاني، وزيكو لدى الثالث.
لكن ما قد يكون مفاجئاً للكثيرين هو تصدّر بنفيكا للائحة بقيمته المالية، وهي مسألة لها أسبابها الدقيقة والتي تفسّر سبب نجاحات بنفيكا محلياً وفي عملية إنتاج المواهب الفذّة.
أكاديمية نادي العاصمة البرتغالية رفعت أصلاً من مستوى عمل الأندية حول أكاديمياتها هناك في بلادها حيث بات تطوير الأكاديميات في صلب مشاريع إدارات هذه الأندية، وهو ما بدا جليّاً من خلال ما أنتجه سبورتينغ لشبونة أو بورتو ولو بدرجةٍ أقل.

الأفضل في البرتغال
«جامعة بنفيكا» كما تُعرف الأكاديمية بالنظر إلى جودة مستوى تعليمها الكروي، أنتجت العديد من نجوم اللعبة منذ تدشينها بحلّتها الحالية عام 2006، فتخرّج منها برناردو سيلفا، ريناتو سانشيز، جواو فيليكس وغيرهم...
هذه الأسماء تحديداً عزّزت سمعة الأكاديمية البرتغالية التي رفعت من سقف المعايير في عملية تطوير المواهب للأندية الأخرى في جميع أنحاء العالم بعدما أنشأت برنامجاً شاملاً يرعى الصغار الموهوبين طوال كل مراحل صقل إمكاناتهم الفطرية.
كل هذا بفضل نظامٍ تدريبي صارم يرتكز على تطوير القدرات التقنية للاعبين وفكرهم التكتيكي في سنٍّ صغيرة، إضافةً إلى تحسين إمكاناتهم البدنية والذهنية بحيث يصبحون قادرين على تحمّل الضغوط على أنواعها طوال مسيرتهم.
ويعتمد نادي بنفيكا لتنفيذ برامجه على بنية تحتية ضخمة مؤلفة من 9 ملاعب للتمارين، ثلاثة منها بأرضية عشبية طبيعية، والأخرى بأرضية اصطناعية. أضف إلى هذه الملاعب صالة للياقة البدنية وحمّامات سباحة وغرف للعلاج الفيزيائي الطبيعي، ما يؤمّن كل حاجات المدربين والتقنيين، ويدخل أكثر اللاعبين في المجال الاحترافي المثالي.
تُعدّ أكاديمية بنفيكا الأعلى قيمةً مالية والأكثر إنتاجية للمواهب الاستثنائية


كما تركّز هذه الأكاديمية على تحليل «الداتا» وفق طرقٍ علمية من أجل متابعة تطوّر أي لاعب ومعرفة نواقصه في المباريات والحصص التدريبية، وهو ما يساعد المدربين على تحديد الجوانب التي يجب العمل عليها، وأيضاً للكشف عن هوية اللاعبين القادرين على التطوّر بشكلٍ أكبر وأسرع ليكونوا نجوم المستقبل.
أكاديمية بنفيكا لا تفوّت أي تفصيل، فهي تشكّل مساحةً للتعليم وتثقيف اللاعبين لناحية منحهم دروساً في التغذية، التعاطي مع الإعلام، إدارة أموالهم، وأيضاً دروساً بسيكولوجية تساعدهم في فهم محيطهم أكثر حاضراً ومستقبلاً، وهي مسألة تشكّل حاجةً لأي لاعب ينتقل للّعب في بلدٍ غريبٍ عليه، فتساعده كما الجوانب الأخرى على النجاح داخل وخارج الملعب.
أما الحلقة الأخيرة من أسرار نجاح بنفيكا فهي شبكة الكشافين التي يملكها في البلاد وحول أوروبا لاستقطاب أبرز المواهب، بحيث يحضر الكشافون في كل الدورات الدولية عائدين بتقارير تضيء على ما يسمّونه الأحجار الثمينة التي ستدرّ الأموال الكثيرة.