تختلف تطلعات الوسط الرياضي عند تغيير ملكية الأندية تبعاً للعديد من العوامل، منها ما يتعلّق بحجم ثروة الملّاك الجدد وخطط «التحسينات» المعلَن عنها، وأخرى ترتبط بمحاولة استقراء للأهداف الكامنة وراء عملية الاستحواذ. الرابط المشترك بين تغيير ملكية ناديَي نيوكاسل وتشيلسي أخيراً تمثّل بفرحة جماهير الفريقين إثر «البحبوحة الفاحشة» للمستثمرين الجدد، حيث تحتل المجموعة الأولى بقيادة السعوديين صدارة أغنى ملّاك الأندية الإنكليزية بـ620 مليار دولار، في حين يقبع أميركيّو تشيلسي في المرتبة الثالثة مع ثروةٍ تناهز 15.8 مليار دولار. ومع بلوغ الثلث الأخير من الروزنامة الكروية، يعكس مركز الفريقين في «البريميرليغ» تفوّق ملّاك نيوكاسل على نظرائهم في تشيلسي.كان نيوكاسل يصارع الهبوط خلال الموسم المنصرم، ومع استحواذ «كونسورتيوم» برئاسة صندوق الثروة السيادي السعودي على ملكية النادي في تشرين الأول من عام 2021، انقلب الوضع رأساً على عقب. تم استبدال المدير الفني السابق ستيف بروس بالمدرب إيدي هاو، واعتمدت الإدارة السعودية سياسة «مدروسة» قوامها الإنفاق الرشيد، حيث استقدمت خلال سوق الانتقالات الشتوي حينها عدداً من اللاعبين لسد الثغرات، برز منهم متوسط الميدان البرازيلي برونو غيمارايش. بدأ الفريق يحقق نتائج إيجابية بعدها وضعته في المركز الحادي عشر مع نهاية الموسم.
استمرّ النادي في استقداماته الذكية خلال «الميركاتو» الصيفي ودعّم المنظومة بصفقاتٍ تتوافق مع أسلوب وأفكار المدرب، ليحتل المركز الثالث في الدوري هذا الموسم حتى الجولة 29 خلف آرسنال المتصدر ومانشستر سيتي، مع وصوله إلى نهائي كأس الرابطة أيضاً (خسره لصالح مانشستر يونايتد بنتيجة 2-0).
عودة «الماكبايز» إلى الواجهة تتشابه مع مسار نادي مانشستر سيتي


النجاحات المتتالية لم تقتصر على الجانب الفني فحسب، بل شملت تغييرات تدريجية ومدروسة ضمن الجهاز الإداري أيضاً، بهدف تطوير النادي تدريجياً وإعادة تكرار الحقبة الذهبية التي قادها المهاجم الإنكليزي آلان شيرر في تسعينيات القرن الماضي. يُحسب لنيوكاسل سرعة منافسته على سباق المقدمة ووصوله إلى المباراة النهائية لكأس الرابطة، حتى باتت التساؤلات تتعلّق بالمدة التي سوف يستغرقها الفريق قبل أن يفوز بالألقاب، لا بالإمكانات فقط. عودة «الماكبايز» إلى الواجهة مع صندوق الاستثمارات السعودي تتشابه مع المسار الذي اتخذته مجموعة أبو ظبي المتحدة للاستثمار والتطوير عند استحواذها على نادي مانشستر سيتي عام 2008. تَرَوّى الإماراتيون حينها قبل «السيطرة» على الدوري، ما يؤشر ربما إلى اقتحام نيوكاسل «نادي الستة الكبار» على أقل تقدير.

غياب الخطط
وفي مشروعٍ آخر، لم يُكتب النجاح لتشيلسي تحت إشراف كونسورتيوم أميركي يقوده رجل الأعمال تود بولي منذ النصف الثاني من الموسم الماضي. أراد الأميركيون تهدئة الرياح التي عصفت بـ«البلوز» حينها، بعد إجبار مالك النادي السابق رومان أبراموفيتش على بيع تشيلسي، فاتخذ بولي وشركاؤه سلسلة من الإجراءات التي أثبتت فشلها في ما بعد. اتصفت قرارات الملّاك الجدد بالتسرع بدءاً بحل مجلس الإدارة السابق الذي قادته المديرة التنفيذية حينها، مارينا غرانوفسكايا، ثم عزل المدرب توماس توخيل وتعيين مكانه الإنكليزي غراهام بوتر في أكبر اختبار للأخير خلال مسيرته التدريبية. قام الأميركيون بعدها بإعادة هيكلة للإدارة وأسرفوا في سوقي الانتقالات الأخيرين، توازياً مع الاستغناء عن بعض اللاعبين البارزين مثل جورجينيو والتخلّي عن موظفين اعتادوا التواجد داخل النادي لسنوات طويلة، آخرهم الطاقم المسؤول عن أرضية ملعب ستامفورد بريدج. السياسات المتّبعة، وإن كانت واعدة بشكلها، لم تحصد النجاح بمضمونها، حيث خرج تشيلسي من الكأسين المحلّيتين وتراجع في سلّم ترتيب الدوري إلى المركز الحادي عشر مع اقتصار منافسته الوحيدة هذا الموسم على صعيد الألقاب في دوري أبطال أوروبا، عندما يُقارع ريال مدريد في دور ربع النهائي. سوء النتائج أودى بمنصب بوتر قبل أيام وتسلّم المدرب المساعد برونو سالتور زمام الأمور بشكلٍ مؤقت إلى حين تعيين مدرب جديد.
ما حدث خلال الأشهر الماضية لم يتوافق مع توقعات النقاد، حيث صرف تشيلسي أموالاً طائلة على مشروع لم يُكتب له النجاح، أقلّه في الموسم الكامل الأول من تسلم الأميركيين زمام الأمور، في حين عرف نيوكاسل نجاحاً لافتاً بالتوازي مع إنفاق معقول، رغم أن ملّاكه السعوديين أغنى من نظرائهم في تشيلسي. سوف تكون مرتقبةً رؤية مسار الفريقين خلال الموسم المقبل. من المنتظر بدء ظهور معالم النجاح في تشيلسي بعد اكتمال الجهاز الإداري، في حين يتوقّع الوسط الرياضي سوق انتقالات صيفياً بارزاً في نيوكاسل، ولا سيّما بعد نجاح الفريق باحتلال أحد المراكز الأربعة الأولى والمشاركة في دوري أبطال أوروبا تباعاً.