خطف رونالدو العناوين أينما حل. منذ تألقه في سبورتينغ لشبونة ومانشستر يونايتد، مروراً بسنواته الذهبية رفقة ريال مدريد، ثم يوفنتوس ومانشستر يونايتد مرة أخرى وصولاً إلى نادي النصر السعودي.منعطفات مختلفة سلكها «صاروخ ماديرا» أظهرت عدم خشيته التحديات الجديدة، والتي لم يُكتب لبعضها النجاح، لأسباب متعددة. منها يتعلق بالتقدم بالعمر، ومنها بسبب سوء الاختيار.
السقوط التدريجي من الواجهة بدأ مع مغادرة «الميرينغي» الإسباني. أرقام كريستيانو الفردية كانت لافتة جداً في إيطاليا رفقة يوفنتوس، غير أن الفشل في التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا مع «البيانكونيري»، والذي مثّل الهدف الأول من وراء التعاقد مع رونالدو، حال دون نجاح الصفقة بالشكل المطلوب. عاد بعدها «الدون» إلى مانشستر يونايتد في حقبةٍ ثانية، محققاً حلم أنصار «الشياطين الحمر» الذين كانوا يطالبون دوماً «ابنهم» بالعودة إلى مسرح الأحلام، لكن الأمور لم تسر على ما يرام. اصطدم كريستيانو مع المدرب السابق رالف رانغنك ومن بعده المدرب الحالي إريك تن هاغ، لينتهي الأمر برونالدو خارج مانشستر يونايتد بعد فسخ عقده بالتراضي إثر مقابلة تلفزيونية انتقد فيها بشدة ناديه ومدربه الهولندي، على أبواب كأس العالم. ومع نهاية «المونديال»، أعلن نادي النصر السعودي تعاقده مع كريستيانو رونالدو حتى عام 2025، في صفقة انتقال حر خلال فترة «الميركاتو» الشتوي هزّت الوسط الرياضي.

سوف يتقاضى كريستيانو 6.5 يورو في الثانية الواحدة (أ ف ب)

ونقل النادي عن اللاعب البالغ 37 سنة قوله: «إني متشوق لتجربة دوري كرة قدم جديد في دولة مختلفة، الرؤية التي يعمل بها نادي النصر ملهمة جداً، وأنا متحمس للانضمام لزملائي لنقوم سوياً بمساعدة الفريق على تحقيق المزيد من النجاحات».
ظهر اللاعب وهو يحمل قميصه الجديد، وسيرتدي رقم 7 الذي اشتهر به مع مانشستر يونايتد وريال مدريد ومنتخب بلاده البرتغال. لم يتم الكشف بشكل رسمي عن تفاصيل عقد رونالدو مع النصر، لكن صحيفة «ماركا» الإسبانية أفادت في تقريرها بأن النادي السعودي رصد راتباً سنوياً إجمالياً للاعبه الجديد يزيد على 200 مليون يورو. قيمة النجم البرتغالي الكبيرة، تسويقياً، فنياً، وإعلامياً جعلته الأعلى دخلاً بين لاعبي كرة القدم، والأكثر أجراً في التاريخ.
من جهتها، قالت صحيفة «ريكورد» البرتغالية، إن الصفقة تتقسّم على 70 مليون يورو كراتب سنوي ثابت، إلى جانب امتيازات مالية أخرى نظير استغلال علامة رونالدو التجارية وحقوق الاسم... فضلاً عن نشر الصور والتغريدات عبر صفحاته بمواقع التواصل الاجتماعي، ليصل العائد الإجمالي إلى 200 مليون يورو في السنة (214.04 مليون دولار). وأضافت الصحيفة البرتغالية أن رونالدو سوف ينال مكافأة منفصلة جراء توقيعه، تبلغ 100 مليون يورو. هكذا، وبموجب العقد، سوف يتقاضى كريستيانو 6.5 يورو في الثانية الواحدة، ما يعكس مدى ضخامة الصفقة.
هو عقدٌ تاريخي لكريستيانو رونالدو، بخاصة وأنه اقترب من عمر الأربعين سنة. كان لافتاً كسر «الدون» معدل عمر اعتزال اللاعبين المقدر بـ33 سنة، وهي ظاهرة بدأت تنتشر أكثر في السنوات الماضية لأسباب مختلفة. منها ما يتعلق بتطور أساليب التدريب البدني والنظام الغذائي إضافةً إلى الاستعداد الذهني، فيما يتمحور العامل الأبرز حول الحوافز المالية والرواتب الضخمة، التي تجعل اللاعبين يكافحون للعب أكثر بهدف تحصيل عوائد أعلى.
رونالدو حصل في النهاية على أفضل عرض ممكن من الناحية المالية في ختام مشواره الكروي ربما، بعد اعتلائه منصات الألقاب الجماعية والفردية أينما لعب.

وجهة مفضّلة للاعتزال
بعيداً من بعض اللاعبين الذين يفضلون الاعتزال في النادي المؤسس لمسيرتهم الكروية، عادةً ما تكون الوجهة الأخيرة قبل تعليق الحذاء هي التي تقدم أفضل عائد مادي ممكن. في هذا الصدد، اشتهرت الولايات المتحدة الأميركية كمحطة اعتزال للعديد من نجوم النخبة، ثم فتحت آسيا أبوابها من خلال الدوريين الصيني والياباني، إلى أن أصبح الخليج مقصداً للعديد من اللاعبين مع توالي السنوات، حيث المال الوفير، والبعيد من الضغط الإعلامي.
تعكس صفقة انتقال أفضل لاعب في العالم خمس مرات، رغبة السعودية، ومن خلفها الخليج ككل، في استثمار الرياضة كـ«قوّة ناعمة» لتعزيز النفوذ، كما تلميع الصورة نتيجة الاتهامات الكثيرة بخرق حقوق الإنسان.
الجدير بالذكر أن رونالدو ليس سوى امتداد لسلسلة طويلة من اللاعبين الذين اتخذوا من الخليج محطةً في نهاية مشوارهم الكروي.
تعتمد دول الخليج على كرة القدم كـ«قوّة ناعمة» لتعزيز النفوذ وتلميع الصورة


شهدت المنطقة الخليجية، على رأسها السعودية وقطر والإمارات، نجوماً كبيرة احترفت في دورياتها، ولو لمدة قصيرة. برز من أولئك اللاعبين: البرازيليون روبرتو ريفيلينو، بيبيتو، دينلسون ثم جونينيو، كما البلغاري خريستو ستويشكوف، مروراً بالعديد من نجوم كرة القدم العالمية أمثال الليبيري جورج وياه ثم الإيطالي فابيو كانافارو، والإسبانيان راوول غونزاليس وتشافي هيرنانديز وغيرهم قبل الوصول إلى كريستيانو رونالدو.
ومن أبرز أوجه الاستثمار الخليجي في لاعبي كرة القدم العالميين، هو ما قامت به قطر بإطلاقها «دوري النجوم» في موسم 2003-2004، عندما استقطبت أكثر من ثلاثين محترفاً عالمياً، على رأسهم الأرجنتيني غابرييل باتيستوتا، والإسبانيان بيب غوارديولا وفرناندو هييرو كما المدافعان الفرنسيان مارسيل دوسايي وفرانك لوبوف.
لم تقتصر مكانة الدوريات الخليجية كمحطة اعتزال للاعبين فحسب، بل أنها جذبت عدداً لافتاً من أفضل نجوم كرة القدم حول العالم في ربيع عمرهم، وهو ما رفع تباعاً من نسق اللاعبين الخليجيين رفقة منتخبات بلادهم.



تلميع الصورة


بعد الإعلان عن صفقة انضمام رونالدو إلى نادي النصر، عاد الحديث عن «استغلال» دول الخليج للرياضة من أجل تلميع صورتها. ونشرت صحيفة «الغارديان» البريطانيّة تقريراً موسعاً عن ما قالت إنه «محفظة السعودية المتنامية للغسيل الرياضي». وقال التقرير إن التعاقد مع رونالدو أبعد الأنظار عن عملية إعدام 147 شخصاً في السعودية نهاية العام الماضي بحسب المنظمة الأوروبية ـ السعودية لحقوق الإنسان، كما أنه ساهم بتلميع صورة النظام في السعودية المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، منها عملية تصفية الصحافي جمال خاشقجي في السفارة السعودية في إسطنبول عام 2018.
وبحسب الإعلام الأوروبي، والبريطاني تحديداً، فإن السعودية ليست البلد الوحيد الذي لجأ إلى هذا الأسلوب لتلميع الصورة، بل كذلك فعلت قطر عبر استثماراتها الرياضية في أوروبا، كما استضافتها نهائيات كأس العالم الأخيرة.