البطل هو ليونيل ميسي، والبطولة للأرجنتين في سيناريو لمسلسلٍ طويل بدأ منذ سنواتٍ عدة ووصل إلى حلقته الأخيرة في كأس العالم 2022، حيث وقف الجمهور منتظراً نهاية درامية مبكية أو نهاية سعيدة تُخلّدها الذاكرة إلى الأبد، وهو ما حصل.قبل أقل من شهرٍ من الزمن عاشت الأرجنتين حالة صدمة مع سقوط منتخبها أمام السعودية في بداية مشوارها المونديالي، ما دفع الكل إلى التشكيك بقدرات «الألبيسيليستي»، وبدأ الحديث عن خيبة جديدة لنجمه الأول وقائده ميسي، وعن نهاية حزينة لقصة تألق تاريخية ستكون ناقصة في نهاية المطاف.
لكن الكل نسي أمراً واحداً وهو أن القرار ليس عند أي منتخبٍ منافس أو عند أي محلل بل عند «أسطورة» حيّة وعند مجموعة من المؤمنين به، والذين يلعبون من أجله، ويريدون أن يشهدوا كغيرهم من متابعي الكرة حول العالم على نهايةٍ جميلة للقصة التي ما انفكت تقلب صفحات ذهبية ممزوجة باللوحات الكروية الرائعة.

الأفضل منذ زمن
هذه القصة لم تبدأ اليوم، إذ نسي كثيرون ما فعله ميسي للأرجنتين، وركزوا على أمرٍ واحد لإدانته بالنقص فقالوا عليه أن يفوز بكأس العالم ليثبت أنه الأفضل في التاريخ.
فات هؤلاء أن ميسي فاز بكل شيء تحت راية بلاده، وكأنه بدأ في كتابة قصته الجميلة صفحةً وراء أخرى ليصل إلى الصفحة الأخيرة ويختمها بلمسته الذهبية ويبكي الجميع فرحاً.
العودة إلى عام 2005 تكشف بأن ما حصل كان قدراً. ميسي يتوّج بلقب كأس العالم للشباب، ويتوّج بلقب أفضل لاعب وأفضل هداف، ويسجّل في النهائي أمام نيجيريا من ركلتي جزاء ويهدي الأرجنتين لقبها الخامس. بعدها بعامين كان اللقب السادس القياسي، وأحد أبطاله الأساسيين كان أنخيل دي ماريا صاحب الأهداف الثلاثة، والذي كان في نهائي مونديال قطر أفضل اللاعبين الأرجنتينيين خلال تواجده على أرض الملعب. ميسي ودي ماريا ذهبا بعدها إلى دورة الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008 فأحرزوا الميدالية الذهبية بهدفٍ سجله الأخير في مرمى نيجيريا، ومن ثم فعلها مجدداً العام الماضي بتسجيله هدف الفوز في نهائي كوبا أميركا أمام البرازيل.
المفارقة أيضاً أنهما وُلدا في روساريو وترافقا سويّاً في مسيرةٍ دولية طويلة، وانتظرا حتى ظهور مجموعة مقاتلين عدائيين إلى جانبهم في المنتخب، أمثال رودريغو دي بول، إنزو فرنانديز، كريستيان روميرو، ليساندرو مارتينيز، لياندرو باريديس، خوليان الفاريز وأليكس ماكاليستر وغيرهم. انتظروهما ليقاتلوا معهما وليكتبوا السيناريو الأخير لقصةٍ أراد الكل أن يكون ميسي بطلها الأوحد.
هم لعبوا لأجله، كما قال حارس المرمى الرائع إيميليانو مارتينيز. أرادوا أن يهدوه ما يستحق، وأرادوا أن يشكروه باسم كل محبي اللعبة على ما صنعه من أفراح طوال سنوات. كما أرادوا أن يحققوا أمنيات وتوقعات الراحل الكبير دييغو أرماندو مارادونا، وأرادوا أن يترجموا تلك الأغنية الشهيرة التي أنتجها هتاف الشعب القائل: ميسي سيجلب لنا الكأس.

الكأس للشعب
ذاك الشعب الذي يقارب الـ 45 مليون نسمة احتاج إلى هذه الكأس بلا شك، فهو يرزح منذ سنواتٍ طويلة تحت أزمةٍ اقتصادية مرعبة، أوصلت 36.5% من شعبه إلى الفقر وسط توقعات تشير بأن نسبة التضخم ستصل إلى 90% مع نهاية السنة الحالية.
شعبٌ يعيش قهراً وينتظر فرجاً، فجاءه منقذٌ ليحقق «النبوءة» التي طفت في المرة الأولى التي ظهر فيها بالقميص الرقم 10 للمنتخب الأرجنتيني حيث قيل: لقد وجدنا هذه المرّة فعلاً خليفة مارادونا.
الواقع أن أحداً لم يكن بمقدوره أن يكون خليفة «الولد الذهبي» سوى ميسي نفسه. لكن الأخير تخطى قدوته بأشواط، وبدا أقوى ذهنياً وأقوى فنياً وأقوى في رغبته الجامحة لتحقيق ما سعى إليه طوال مشواره الذهبي. «ليو» في سن الـ35 لعب على أعلى مستوى وامتلك روحاً قيادية وبدا كأنه لم يخسر شيئاً من موهبته الفذة التي ميّزته عن كل من لمس الكرة عبر التاريخ.
بالفعل لن يجرؤ أحد بعد اليوم على مقارنة ميسي بأي لاعبٍ آخر، إذ إن الرجل خرج كأفضل لاعبٍ في المونديال، وهو أيضاً كان شريكاً في صدارة الهدافين، وفي المركز الأول لأفضل الممررين الحاسمين.
هو لا يستسلم. يهدر ركلة جزاء ويسجّل غيرها الكثير، وذهنيته هذه هي التي جعلته يبقى في هذه السن بنفس المستوى الذي بدا عليه قبل 10 أعوام، وذلك بعكس نجومٍ آخرين، على رأسهم طبعاً البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي قيل إنه سيلعب لسن الـ50 بسبب قدراته الجسمانية، لكن الفارق هنا أن الأخير سقط في الامتحان النفسي، فقضى عليه ضعفه البسيكولوجي وجعل نهايته مثيرة للشفقة.
رونالدو خرج باكياً، ومثله نيمار، ولوكا مودريتش، ولويس سواريز، والسبب أن كرة القدم أرادت أن تكون عادلة لمرةٍ نادرة، فتوّجت البطل غير المتوّج، والنجم الذين لن تكون اللعبة من دونه نفس الشيء، والذي ستكون كأس العالم من بعده أعلى قيمة لأنه بكل بساطة لمس ذهبها فشعّ أكثر.