منذ حوالي 40 عاماً بدأت تخرج دراسات بحثية متعددة، تتحدث عن تأثير البطولات الرياضيّة الكبرى على اقتصادات الدول. بعيداً عن احتمال تحفيزها لنموّ البلد المستضيف، خلصت الدراسات إلى وجود علاقة إيجابية قصيرة الأمد بين المتوّجين بكأس العالم لكرة القدم واقتصاد بلادهم. نقطة مهمة يعوّل عليها طرفا النهائي في الدوحة، وخاصةً الأرجنتين، أملاً بتقليل حجم التضخم الذي يضرب البلاد منذ سنوات، ولو مؤقتاً.لا تزال الأرجنتين غارقة في الفوضى الاقتصادية. ومن المتوقع أن يصل معدل التضخم إلى 100٪ مع نهاية هذا العام، بينما يستمر تراكم الديون الضخمة في بوينس آيرس.
لا شكّ بأن الأزمة المتجذرة يصعب حلّها عبر رفع كأس ذهبية فقط. لا يوجد أيّ حدث رياضي قادر على النهوض بأيّ بلد. ومع ذلك، أثبتت التجارب أن معظم الدول التي تفوز بكأس العالم تحظى بدفعة نموّ طفيفة على المدى القصير.
تحسُّن الناتج المحلي الإجمالي بعد الفوز بالمونديال يُعزى إلى زيادة الصادرات، بحسب أبحاث أجرتها جامعة «Surrey» البريطانية. وخلصت الدراسات إلى وجود زيادة طفيفة في الناتج المحلي الإجمالي خلال الربعين الأولين من تتويج منتخب أيّ دولة بلقب كأس العالم لكرة القدم، على خلفية تعزيز قوة العلامة التجارية للدولة الفائزة، وزيادة شعبية صادراتها تباعاً.
على سبيل المثال، بعد تتويج فرنسا بلقبها المونديالي الأول عام 1998، نما اقتصاد الدولة بنسبة 3.6٪، أكثر من عامَي 1997 و1999. 
بعد تتويج فرنسا بلقبها المونديالي الأول عام 1998 نما اقتصادها بنسبة 3.6٪ مقارنةً بعامَي 1997 و1999


وهو أمر ينطبق على بطلة العالم في نسخة العام 2002، أي البرازيل، التي أحدثت قفزة كبيرة في مبيعاتها الخارجية بعد فوزها بمونديال كوريا الجنوبية واليابان، وساهمت تباعاً في تحقيق نسبة نموّ 3.1٪ متقدمةً على معدلات النمو 1.4٪ و1.1٪ المسجلة في عامَي 2001 و2003. أمرٌ تكرر مع إيطاليا، بطلة مونديال عام 2006 (نموّ بنسبة 1.8٪، أعلى من نسب 0.8٪ و1.5٪ لعامَي 2005 و2007).
فازت إسبانيا بالبطولة عام 2010 في خضمّ ركود محلي وعالمي كبيرين، ومع ذلك، نما اقتصادها بنسبة 0.2٪ في ذلك العام. كما شهدت بعدها ألمانيا سنة 2014 نموّاً بنسبة 2.2٪، بتقدُّم 0.4٪ عن عام 2013 و1.5٪ عام 2015. وبحسب وكالة «بلومبيرغ»، يميل بطل كأس العالم لكرة القدم إلى التمتع بنسبة 0.25 نقطة مئوية إضافية من النمو الاقتصادي في الربعين التاليين للبطولة.

شحنة معنوية 
تعاني فرنسا أزمة طاقة وموجة من الإضرابات العماليّة منذ حوالي 5 سنوات، وقد تفاقم الأمر منذ بدء الأزمة في أوكرانيا والضغط الذي أحدثته هذه الأزمة في سوق الغاز والنفط. وعلى الضفة الأخرى، فقد بلغ معدل التضخم في الأرجنتين ما يقرب من 100٪.
وفي ظل تردّي الأوضاع ضمن أغلب بقاع الأرض نتيجة الأزمة المناخية وأزمة الطاقة، قد تحول المشاكل الاقتصادية دون تحقيق أي مكاسب تأتي مع الفوز بكأس العالم.

(أ ف ب )

الفائدة الأكبر لفوز فرنسا أو الأرجنتين بالبطولة قد تنصبّ في الشق المعنوي بالدرجة الأولى. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شاهد مباراة منتخب بلاده من أرض الملعب، لمحاولة دعم الفريق واحتواء الغضب الشعبي حول الأوضاع المعيشية هناك. من جهتها، سُئلت وزيرة العمل الأرجنتينية كيلي أولموس قبل انطلاق البطولة عما إذا كان خفض التضخم أكثر أهمية من الفوز بكأس العالم. فأجابت: «يجب أن نعمل باستمرار ضد التضخم. من ناحية أخرى، وبالنظر إلى ما يعنيه ذلك بالنسبة إلى جميع الأرجنتينيين، نريد أن تكون الأرجنتين بطلة. الشعب يستحق حقاً بعض الفرح».
هناك شعور بأن سحر ليونيل ميسي، الذي جعل بعض الأرجنتينيين يبيعون منازلهم لمشاهدته في قطر، يمكن أن يخفف من آلام الملايين في بلد يتجاوز فيه مستوى الفقر 40٪. وهو ما يأمله ماكرون أيضاً من مبابي ورفاقه.
لذا، سوف يكون التتويج المحتمل، لشعب الأرجنتين تحديداً، بمثابة الجرعة المعنوية الكبيرة ولكن قصيرة الأمد أمام أزمةٍ تطال أغلب القطاعات.