مونديال جديد تبدّدت فيه أحلام المنتخب الألماني باكراً. فبعد الخروج المدوّي من دور المجموعات في مونديال روسيا 2018، تكرّر الأمر على الأراضي القطرية ما زاد من الضبابيّة السائدة حول مستقبل المنتخب.خسارة قاسية أمام اليابان في المباراة الافتتاحية بهدفين لواحد، تبعها تعادل صعب ضد إسبانيا. فاز رفاق توماس مولر بعدها بالمباراة الثالثة على كوستاريكا، غير أن ذلك لم يكن كافياً للتأهل إلى الدور الثاني. ألمانيا أنهت مجموعتها ثالثةً، وودعت البطولة من الدور الأول. 
العديد من الأسباب ساهمت باستمرار تراجع أداء ونتائج المانشافت. ظهرت بوادر الفشل عبر الأمور غير الرياضية قبيل انطلاق البطولة، بدءاً بتركيز الإعلام الألماني على شن هجوم ضد المستضيفة قطر، ومن خلفها لاعبي المنتخب عبر حركة اليد على الأفواه في الصورة التذكارية من المباراة الافتتاحية. هنا، تمثلت الخسارة الأولى عبر التركيز على أمور غير مرتبطة بكرة القدم، تلاها خسارات كبيرة على أرض الملعب.
عند تعيين هانسي فليك على رأس العارضة الفنية للمانشافت، تأملت الجماهير الألمانية عودة «ماردها» إلى منصة الألقاب، أو أقله المنافسة مع منتخبات النخبة. انصبّ التعويل على سجل فليك اللافت عندما كان مساعداً في مونديال 2014 للمدرب الأول يواكيم لوف، ثم إنجازه بتحقيق السداسية مع بايرن ميونيخ. ترك فليك منصبه رفقة البافاريين وتوجه إلى خدمة بلاده من بوابة المنتخب، إلا أنه فشل في ترك أي بصمة واضحة عن سلفه لوف. 
ضياع كامل من حيث العناصر المختارة وأسلوب لعب غير واضح، حالا دون استمرار الألمان في البطولة.
تسعى ألمانيا إلى تدارك الأمور قبل استضافة يورو 2024 على أراضيها


هنا، سال حبر الصحافة. تم انتقاد فليك وصولاً إلى رأس الهرم في الاتحاد الألماني، وسط مطالبات بإعادة الهيكلة الشاملة.
في هذا الإطار، خرج رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم بيرند نويندورف، بتصريحاتٍ إلى الصحافيين قبل عودة المنتخب إلى دياره.
أشار نيويندورف إلى ما حدث بخيبة الأمل الكبيرة، وأكد وجود إجراءات منظمة للتعامل مع الوضع، من خلال عقد اجتماع مع مدرب المنتخب الوطني هانسي فليك ومدير الفريق أوليفر بيرهوف والرئيس التنفيذي للدوري الألماني هانز يواكيم فاتسكه.
وبعد الإقصاء بأيام قليلة، أعلن الاتحاد الألماني لكرة القدم إنهاء عقد أوليفر بيرهوف، إلا أن الثقة تجددت بفليك.
المانشافت يعاني الأمرّين، هذا أمر واضح. الأكثر وضوحاً، ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة للعودة في أقرب وقت ممكن، والحؤول دون فضيحة أخرى في بطولة «يورو 2024» التي ستُقام على الأراضي الألمانية.


السير على خطى إيطاليا؟
تراجُع نتائج المنتخب الألماني في كأس العام، أعاد إلى الأذهان ما حدث مع منتخب إيطاليا.
تُوّجَ الأتزوري بطلاً للمونديال في عام 2006 تحت قيادة مارتشيلو ليبي، بعد التغلّب على فرنسا بركلات الترجيح في نهائي برلين.
فشل المنتخب الإيطالي بعدها في تجاوز مرحلة المجموعات نسخ 2010 و 2014، وساءت الأمور أكثر بعد الإخفاق في التأهل إلى كأس العالم روسيا 2018، ثم مونديال قطر 2022 تحت قيادة المدرب روبرتو مانشيني.
كان المنتخب الإيطالي مطالباً حينها بإعادة الهيكلة الشاملة، وهو ما أشار إليه نجم إيطاليا روبرتو باجيو عندما كان رئيساً للقطاع الفني في الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، من خلال تقديمه عام 2011 تقريراً من 900 صفحة. طرح باجيو حلولاً لمختلف المشكلات، لكن الاتحاد الإيطالي لكرة القدم تجاهل المقترحات. ومنذ ذلك الوقت، بدأ مسلسل السقوط الحر للأتزوري.
لم تتأهل ألمانيا لدور الستة عشر في النسختين الأخيرتين من كأس العالم بعد رفعها اللقب عام 2014، فهل تسير على طريق إيطاليا أم تنجح في تدارك الأمور؟


معاناة بلجيكية ـ برتغالية ـ إسبانية
لم تكن ألمانيا الوحيدة التي خرجت من الباب الضيق للمونديال. بلجيكا المدجّجة بالنجوم، وثالثة كأس العالم السابقة لم تستطع هي الأخرى التأهّل من دور المجموعات في قطر بعد فوز خجول على كندا (1 ـ 0) ثم خسارة من المغرب وتعادل مع كرواتيا. فشل المدرب روبيرتو مارتينيز بخلق التوازن والانسجام بين اللاعبين، كما أنه عجز عن حل المشكلات الشخصية بين بعضهم، أو على الأقل إبعادها عن المستطيل الأخضر، فاستمر الفشل، وبالتالي بات واضحاً أن المنتخب بحاجة إلى إعادة هيكلة.
إسبانيا هي الأخرى تلقت ضربة موجعة في قطر، بعد خروجها من دور الـ16 أمام المغرب. لا تمتلك «لا روخا» مشكلة في الأسماء، إنما بالمدرب واختياراته، لذلك فإن رحيل لويس انريكي عن رئاسة العارضة الفنية للثيران الإسبانية يمكن أن يعيد ترتيب الأوراق قبل اليورو المقبل.
وعلى ضفة البرتغال يبدو أن حقبة ما بعد كريستيانو رونالدو ستكون أفضل نظراً إلى امتلاك المنتخب أسماء مميزة بينهم برونو فيرنانديش وجواو فيليكس ورافايل لياو. تشكيلة مدججة بالنجوم تحتاج لانسجام أكبر، وإبعاد الرؤوس الحامية عن المنتخب من أجل نسيان خيبة الخروج من ربع النهائي والتركيز على المستقبل.