إلى الآن، لم يُتّهم المشجّعون العرب بـ«معاداة السامية» لرفضهم إجراء مقابلات مع القنوات الإسرائيلية خلال فعاليات كأس العالم في قطر. لكن، قد لا يكون مستغرباً إنْ خرج أحدهم لإعلان ذلك في الأيام المقبلة؛ إذ لم يبقَ مراسل إسرائيلي واحد، من الموفَدين إلى الدوحة، إلّا وتعرّض للتجاهل والرفض من قِبَل مشجّعين عرب أثناء محاولته الحديث إليهم. غير أن ما حصل مع مراسل «القناة 12» الإسرائيلية، أوهاد حِمو، بُعيد افتتاح المونديال، كان الأعنف إلى الآن. حِمو الذي تحدّث إلى صحيفة «معاريف» العبرية عن تجربته في قطر، اعتقدَ أن «الحدث رياضيٌّ بالمطلق، ولا علاقة له بالسياسة»، وكأنه يتحدّر من سويسرا لا من الكيان. ولكن منذ وصوله إلى الدوحة، بدا منبوذاً كزملائه الآخرين، بعدما «اكتشف» فجأة أنه يمثّل دولة احتلال تمارس إجرامها اليومي على الشعوب العربية عامةً، وشعب فلسطين خاصة، وهو نفسه يغطّي هذا الإجرام ويدافع عنه.

يقول حِمو: «عندما نكشف عن هويتنا ونوضح أننا من قناة إسرائيلية، يرفضون التحدّث معنا». ومع ذلك، فهو لا يَعتبر التواجد هناك «ضرباً من ضروب التحدّي»، على اعتبار أن «هذه قطر وليست مخيم جنين». ولعلّ طمأنينته هذه عائدة إلى كون قطر وافقت على افتتاح استديو لهيئة البثّ الرسمية الإسرائيلية (كان) على أراضيها، على الرغم من أن قوانين الفيفا لا تجبر البلد المُضيف على مخالفة قوانينه، وهو ما رأت فيه «مجموعة شباب قطر ضد التطبيع»، «تطبيعاً مرفوضاً لا نجد له ما يبرّره»، لافتةً، في بيان، إلى «عدم اتّساقه مع ردّة الفعل الجماهيرية المُدافعة عن هوية وأولويات شعوب المنطقة»، مؤكدة أن «الشعب القطري لن يدّخر جهداً للتضييق على الوجود الصهيوني، وهذه رسالة ندرك تماماً أن العدو سيفهمها جيداً». والواقع أن «غالبية الشعوب العربية لا تحبّ وجودنا هنا، على رغم أننا وقّعنا على أربع اتفاقيات تطبيع»، كما يقول حمو، مستدركاً بأن ثمّة مَن هم «أكثر شراسة وعدوانية، فعلى سبيل المثال، مجموعة من اللبنانيين بدأوا بالصراخ عندما عرفوا أنني إسرائيلي وقالوا إنه «لا يوجد شيء اسمه إسرائيل هناك فلسطين فقط». السياسة حاضرة هنا. فالحدث الرياضي الذي يجري هذه الأيام هو قومي ووطني من الدرجة الأولى، وهو سابقة على مستوى تنظيمه في بلد عربي... نصف العالم العربي هنا. لا شكّ أن الجميع يدرك أن ثمّة «فيلاً في الغرفة»»، في إشارة إلى كوْن المونديال يمثّل فرصة للفْت أنظار العالم إلى قضية فلسطين. على رغم ما تَقدّم، لا يخشى حمو تَعرّض الإسرائيليين للأذى، و«السبب بسيط، وهو أننا نتحدّث عن دولة مثل قطر، لا يوجد أحد مستعدّ للعب معهم (بأمنهم). هناك شعور بالأمان، ولو كنتُ مواطناً من دولة أخرى غير إسرائيل لَمَا احتجنا أساساً إلى التحدّث في هذا الموضوع، غير أن ثمّة حساسية تجاهنا». حساسيةٌ يجلّيها قول حمو في مقالة على موقع «القناة 12» إن «عدداً كبير من المشجّعين العرب علاقتهم بإسرائيل علاقة كُره. في كلّ مرة نَعرض عليهم مقابلة، يرفضون، بعضهم بأدب وبعضهم بعدوانية. ولكن عندما حاولت مقابلة مشجّعين لبنانيين، كان الردّ خطيراً». ويضيف: «لقد سألوا أنت من إسرائيل؟ لا يوجد شيء اسمه إسرائيل. ما الذي أتى بك إلى هنا؟ وبدأوا يصرخون «الله... فلسطين»».
لم يبقَ مراسل إسرائيلي واحد إلّا وتعرّض للتجاهل والرفض من قِبَل مشجّعين عرب


أمّا مراسل «كان»، موآف فاردي، فلم يكن وضعه أفضل من زميله، إذ نعَتَه الفنان الكولومبي مالوما بـ«الوقح»، قبل أن ينسحب من المقابلة على الهواء مباشرةً، ويَترك مُضيفه في موقفٍ محرج، إثر سؤال الأخير إيّاه عمّا إذا كان يلمّع قطر بمشاركته في المونديال. وكان المراسل نفسه قد تعرّض لموقف أكثر إثارة للحرج داخل «سوق واقف» في الدوحة، حيث حاول إجراء مقابلة مع مواطن قطري، ليقابَل بالصدّ بمجرّد أن عرف الأخير هويّته. وحتى بعد تمكّنه من إجراء مقابلة مع قطري آخر، سارع هذا الأخير، عبر صفحة «شباب قطر ضد التطبيع»، إلى توضيح موقفه، بالقول إنه لم يكن يعرف حقيقة كوْنه في مقابلة مع قناة إسرائيلية، مؤكداً رفضه الشديد لـ«التطبيع مع الكلاب»، في إشارة إلى الإسرائيليين. أمّا الصحافية نادين أبو لبن، وهي فلسطينية من اللد تعمل في «هآرتس»، فتعرّضت هي الأخرى للانتقاد والدعوة إلى مقاطعتها، باعتبارها «تغطّي على جرائم الاحتلال». كلّ ما تَقدّم دفَع بالمراسلين الإسرائيليين، أخيراً، إلى إخفاء الشارة الخاصة بقنواتهم والظهور بميكروفونات من دونها، غير أن ذلك لم يسعفهم؛ إذ إن المشجّعين العرب سرعان ما حفظوا وجوههم، فقابلوهم بمزيدٍ من النبذ، ورفْع أعلام فلسطين والشعارات المؤيّدة لها.
في المحصّلة، ليس غريباً أن يكون موقف الشعوب العربية متقدّماً على حكامها، انطلاقاً من أن قضية فلسطين هي قضية كلّ العرب التي تخلّت عنها أنظمتهم. أمّا إسرائيل، فلعلّها تدرك أخيراً أن توقيع اتفاقيات التطبيع لا يمنحها «مفتاحاً» لقلوب العرب.