قيل عنه إنه «الولد المشاغب». قيل عنه إنه «غريب الأطوار». قيل عنه إنه «مثير للجدل». قيل عنه إنه «اللاعب القاسي». كل ما هو سيّئ أُلصق به دوماً، لكن جملة واحدة كتبها أمس، كانت كفيلة بأن تطيح كل ما قيل عنه وتظهر لنا مدى إنسانيته وقلبه الكبير البعيد، تماماً، عن أي قسوة. قالها ماريو بالوتيللي أمس: «أطفالٌ يلعبون على الشاطئ لا يجب أن يكون شيئاً سلبياً... أوقفوا الحرب على غزة». حسم «سوبر ماريو» موقفه إذاً مما هو حاصل في غزة: إسرائيل مجرمة.
هكذا، لم يتوانَ بالوتيللي عن التضامن مع غزة والقضية الفلسطينية ضد العدوان الهمجي الإسرائيلي عبر كافة حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، معبّراً عما يعتريه إزاء الدماء المراقة ومظلومية هذا الشعب، بعد تأثره لاستشهاد 4 أطفال من عائلة بكر وهم يلعبون الكرة على شاطىء القطاع. لم يحمل بالوتيللي طبعاً السلاح، كما مازح قبل أيام على «تويتر» بتصويبه فوهة بندقيته متوعداً بقتل كل من يكرهه، للدفاع عن غزة، لكن مجرّد بضع كلمات قالها بدت كافية لخدمة هذا القطاع، على الأقل معنوياً، من خلال وصولها إلى الملايين من المشجعين من مختلف جنسيات العالم المعجبين به والذين، ربما، لم يسمع معظمهم بغزة قبلاً.

عبّر بالوتيللي
وايمري كان وبوفون عن تضامنهم كلّ على طريقته

النجم الإيطالي الآخر وقائد المنتخب الوطني، جانلويجي بوفون، لم يقلّ شأناً عن بالوتيللي حيث عبّر عن وقوفه إلى جانب غزة بطريقة لافتة من خلال ظهوره في صورة مرتدياً الوشاح الفلسطيني، وقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.
في الواقع، ليس غريباً على الكرة الإيطالية هذا الموقف الشجاع والبالغ التعبير الذي عاد وأظهره بالوتيللي وبوفون، إذ إن جماهير ليفورنو يُعرف عنها مناصرتها الشديدة للقضية الفلسطينية، وغالباً ما يكون علم فلسطين وشعار «فلسطين حرة» حاضرين في مدرجاتها.
لكن الإيطاليين لم يعبّروا وحدهم عن هذا الموقف، إذ إن اللاعب الألماني الشاب إيمري كان، المنتقل حديثاً إلى ليفربول الانكليزي، أبدى تضامنه مع سكان غزة من خلال نشره على صفحته في موقع «إينستغرام» صورة لأم فلسطينية تبكي وتحتضن طفلها، معلّقاً: «إنهما يحتاجان إلى من يساعدهما. إنهما يحتاجان الى أياد أخرى للصلاة والدعاء لهما». وتابع: «فلسطين حرة. صلّوا من أجل غزة».
في حقيقة الأمر، «يفاجئنا» نجوم الكرة في العالم بمواقفهم، تحديداً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، متناسين شهرتهم وحياتهم الرغيدة وغير مبالين بالأضواء المسلطة عليهم، كما في العدوان الحالي أو في العدوانين السابقين على غزة عامي 2008 و2012 حيث تكثر أمثلة النجوم والجماهير الذين تضامنوا مع القطاع وأهله، وفي مقدمهم النجم الألماني مسعود أوزيل الذي وضع صورة على صفحته في «فايسبوك» للطفل حميد أبو دقة الذي استشهد في خان يونس وهو يرتدي قميص اللاعب في فريقه السابق ريال مدريد الاسباني، وكتب: «الولد الصغير (حميد) كان يلعب الكرة وهو مرتد قميصي. ارقد بسلام. لجميع الضحايا، أنا أصلّي لكم».
وحتى إن هذا التضامن يحدث أن يكون من دون عدوان، كما حصل تحديداً مع جماهير فريق سلتيك الاسكتلندي التي وصل بها الامر الى الاحتفال بالذكرى الـ125 لتأسيس ناديها العريق برفع علم كبير لفلسطين خارج ملعب «أمستردام أرينا» في المباراة أمام أياكس الهولندي في دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا، العام الماضي، كرسالة واضحة لدعم القضية الفلسطينية، وأكثر لتحدي جمهور أياكس المعروف بتأييده الكبير للكيان الإسرائيلي في «عقر داره»، أو حين شنّ النجم الفرنسي السابق، ايريك كانتونا، هجوماً لاذعاً على مواطنه ميشال بلاتيني، رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لمنحه إسرائيل حقوق تنظيم بطولة أوروبا للشباب، قائلاً: «لقد حان الوقت لوضع حد لإفلات هذا الكيان من العقاب بسبب العنصرية التي يمارسها وانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي والاعتداءات اليومية».
لكن ما يفاجئ أكثر أن ثمة مستثمرين ومالكين عرباً لأندية شهيرة في أوروبا قادرين على إيصال مظلومية غزة لشرائح مهمة في المجتمع الأوروبي، إلا أنهم لا يفعلون. اسألوا عن ذلك، تحديداً، القطري ناصر الخليفي، مالك باريس سان جيرمان الفرنسي. هؤلاء لا يكلفون أنفسهم - ولم يكلفوها يوماً - حتى عناء مساندة غزة وفلسطين، ولو بكلمة. أما كلمات بالوتيللي وايمري كان ولفتة بوفون، التي لا تقدر بثمن، فتلك الى القلوب حتماً.



الحقد الأعمى يطال الرياضة


تُترجم إسرائيل في كل عدوان على غزة حقدها الأعمى عبر استهداف كل ما يمتّ للحياة والفرح بصلة. هناك في القطاع، تمثّل الكرة أحد أوجه هذا الفرح، وسط كل الحصار المفروض، لكن الاحتلال يغتاله مجدداً عبر مجزرة الأطفال الأربعة من عائلة بكر الذين كانوا يلهون بالكرة على الشاطئ، والشهداء التسعة الذين كانوا يتابعون في المقهى مباراة الأرجنتين وهولندا في مونديال البرازيل، فضلاً عن استهداف الملاعب ومقار الأندية الرياضية.